من أقوال الإمام الصادق نوري المالكي

من أقوال الإمام الصادق نوري المالكي
آخر تحديث:

بقلم:علي الصراف

التسريبات الصوتية لنوري المالكي، التي لم يترك فيها شتيمة أو تهديدا أو استعدادا لسفك الدماء إلا وعبر عنه، لم تغب عن الذاكرة بعد. إلا أنه وجد في نفسه الشجاعة ليدلي بأقوالٍ وحكمٍ، لا تخرج إلا من فم إمام صادق، ونبي أمين من أنبياء المحبة، بل ورسول مبين بعثه رب العالمين ليحث على “حب الوطن”. ولا داعي للسؤال: أي وطن؟ لأنه معروف.الإمام الصادق، قال في نداء يخاطب به الذين أقذع فيهم الشتائم بالقول: “أقولها بصدق وحب وإخلاص: إن صوتي وموقفي معكم يا دعاة الدين والتعقل والمسؤولية، وإنني أقف دوماً إلى جنب نداء التهدئة والركون إلى الاستقرار، وأشد على دعوات الإخوة القادة الذين يجمعهم الدين وحب آل البيت والوطن والهم الواحد (…) كما أدعو كل إخوتي في الله أن يبتعدوا عن الإعلام المتشنج والردود القاسية وألّا يقترفوا الشتيمة والسباب فعليكم مواجهة التزوير بالحقيقة، والافتراء بالصدق، والجفوة بالمحبة”.

ويا له من صادق، أمين، ولم تخرج من فمه المقدس إلا كلمات الخير والمحبة.إنه، في الحقيقة، شيء يعصر القلب بالمرارة ومشاعر القرف، بل وذل الهزيمة نفسه أمام حال بلغ من الخزي ما يفوق كل تصور. حتى أسوأ الكوابيس ما كان بوسعها أن تبلغ بالعراق هذا المبلغ.ولكن، هذا هو النموذج السائد من “الساسة” في العراق، على أي حال. هم والتدليس شيء واحد. والمالكي ليس حالة فريدة. ولكنه هو النموذج الذي يُقتفى أثره، بوصفه “أبو” النظام الطائفي ومؤسس نظام المحاصصة، وزعيم الدولة التي أصبح الفساد هو عنوانها وسبب وجودها الوحيد. هذا فضلا عن أنه يتزعم تكتلا يدعى “دولة القانون”، لم يترك انتهاكا للقانون إلا وفعله باعتقالات تعسفية وأعمال تعذيب في سجون سرية وغير سرية وأعمال اغتيالات، وهدم منازل وإقامة حواجز كونكريتية بين الأحياء، واختفاء مئات المليارات من الدولارات من ميزانية الدولة في عهده المبارك، الكل يعلم أنها أنفقت على “حب الوطن”، أو تسربت إليه عبر عقود ظالمة ومشاريع وهمية.

الإمام الصادق، ربما كفّ الآن عن تقديم “تسريبات” جديدة، على سبيل الاحتياط، وهو يحاول الآن رأب الصدع مع أصحاب الميليشيات والدكاكين الطائفية، إلا أنه في نفسه، كما هو معروف عن نفسه، ليس سوى واحد ممن اتخذوا الخداع سبيلا لجعل اللسان يقول، بالضبط، عكس ما تقوله النفس.المشكلة لا تمكن فيه على أي حال. كما أنها لا تكمن في موقف أصحاب الدكاكين منه، لأنهم جميعا يفعلون الشيء نفسه، ولو أن “تسريبات” تسربت عنهم، لاكتشف الناس أنهم من طينة واحدة، هي من النوع الذي يصفه العراقيون بأمثال لا ينبغي ذكرها.

المشكلة هي أن التكاذب والتنافق والتزييف والتخادع، والولاء لوطن آخر، أصبحت لغة سائدة، ولكي يصدقها المرء، فإنه يحتاج إلى تسريبات ليعرف كم أنهم، بدورهم، أئمة صادقون. وبعضهم يضع عمامة، ويعرف بالضبط كم “ناديا ليليا”، لكي لا نقول ماخورا، يوجد في بغداد، ربما لأنها تقدم له إتاوة الرعاية، التي إذا سألت عنها، فلسوف يقال لك إنها تذهب في أعمال “الخير” التي تشبه أعمال الخير التي يقوم بها “الحجي”، أبو اللسان الطاهر، وصاحب العترة الشريفة، الغارق حتى أذنيه بالصدق والمحبة.

ولو أنه لم يظهر في شوارع الخضراء، وهو يحمل رشاشا، ويرتدي بدلة عسكرية، مبهدلة، لكان من الممكن تخفيف الانطباعات عن استعداده لسفك الدماء، دفاعا عن النفس الأمّارة بالصدق.المشكلة هي أن بيئة السياسة في العراق بلغت من الابتذال اللغوي والسلوكي حدا غير مسبوق. وهو ابتذال عمومي، تعكسه كل “التسريبات” المعلنة التي يطلقها الكثيرون عبر وسائل التواصل، وفي التخاطب العمومي، ولا يسترها ساتر.في وقت من الأوقات، كان “الاشتغال” بالسياسة يعني انشغالا ببعض قضايا الفكر والأيديولوجيا، بل والأدب أيضا. اليوم أصبحت “قلة الأدب” هي الشيء السائد، في التكاذب والتنافق من ناحية، وفي الرد عليهما من ناحية أخرى. والكل إمام صادق.

الأحزاب، كانت أحزاب مشاريع وتطلعات ومناهج سياسية واقتصادية واجتماعية. فيها غير علة من علل الفشل، إلا أنها ظلت في النهاية أحزاب مشاريع. ولكنك لا تجد اليوم، إلا دكاكين، تبيع الشيء نفسه، حتى ليكاد من المستحيل أن تعرف ما هو الفرق بين نوري المالكي وهادي العامري، أو ما هو الفرق بين قيس الخزعلي وعمار الحكيم، أو بين هؤلاء جميعا وبين مقتدى الصدر.ما هو المشروع الذي نهض به تحالف “دولة القانون” عندما تولى السلطة لثماني سنوات، غير أن دفع العراق إلى الخراب والفقر والإفلاس؟ وماذا كانت الغاية من كل سلطة الأحزاب الطائفية غير تقاسم الحصص؟ وماذا قدموا للبلاد التي استولوا عليها غير السطو على موارد الدولة واستنزافها؟

الرواتب والمخصصات الفلكية التي يتقاضاها المسؤولون في دولة نوري المالكي، كانت وحدها دليلا على أنها دولة منتفعين، على المستوى الشخصي. لا بطونهم تشبع ولا أعينهم تشبع. وليس لديهم قضية أكثر قدسية من أن يغتنوا على حساب تجويع وإفقار ملايين من العراقيين، وكأن الموت لا ينتظرهم.يتنافسون، إنما في التكاذب والتنافق، لكي يبقى لكل منهم موطئ قدم في مغارة علي بابا التي تناهبوها، كما لم يتم تناهب أي بلد في العالم على مر التاريخ.مستويات الفساد الفلكية أصبحت سجلا لا يوازيه أي سجل. حتى لم تبق مؤسسة، ولا دائرة حكومية واحدة، إلا وكانت ركنا من أركان الفساد، من أعلى مسؤول فيها، إلى أدنى موظف. ومثلما صارت الوظائف تباع، حسب الولاء وعلى مقدار الرشاوى، فقد انهار نظام الخدمات الأساسية، حتى أصبح الحصول على دواء أو علاج، موضوعا آخر للفساد.

قد يمكن إلقاء بعض اللوم على انهيار مستويات التعليم، والفقر، وتفشي الأمية من جديد، ما جعل كل معيار من معايير الحياة العامة، ولغتها، ينهار ويعلو غباره إلى عنان السماء، إلا أن الجماعات الطائفية التي استولت على السلطة منذ العام 2003، جاءت بمستويات منخفضة أكثر لتفرضها على بلد بقي محاصرا لنحو 20 عاما، ولتوقعه بالحفرة التي وقعت فيها إيران لنحو 40 عاما من ثقافة الجهل الطائفية ومشاريع الانتقام والانحطاط الذاتي القائمة على فكرة تسوية الحساب مع يزيد بن معاوية.البلد الذي تم سحقه وتسويته بالأرض، كان من الممكن أن ينهض بمشروع وطني ما، يتغلب على عوامل الفشل التي طغت على ثلاثة أرباع القرن من تاريخه، إلا أنه انتهى، بفضل أزلام الاحتلال والجهل، إلى حفرة تزداد عمقا كل يوم، وفي كل مسلك من المسالك، إلى درجة تبعث على اليأس من أن يكون قادرا على الخروج منها. بلدٌ، صار من أينما التفت إليه، تجد قبالة وجهك إماما صادقا يتبعه أناس من أمثاله.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *