هادي جلو مرعي
الرجل المصاب بالسرطان جون ماكين يحذر من وجود مخيف للإيرانيين في بغداد، وهو يعني الوجود السياسي وليس وجودا سكانيا بالضرورة، أما الوجود الثقافي فهو جزء من البنية الثقافية التي تجمع الإيرانيين بغالبية شيعية في العراق وماتفرضه المقدسات الدينية المشتركة التي تتوزع على أنحاء منه حتى في مناطق تحسب للسنة، وربما سببت بعض التعقيدات في المشهد المحلي كسامراء التي فجرت فيها المجاميع المتطرفة مراقد لإثنين من أئمة الشيعة، وماتبع ذلك من حرب طائفية شريرة، وإستهداف متبادل للمواطنين العزل، وغير العزل، وحتى تدمير وتخريب لبعض المساجد في أنحاء مختلفة من (وسط وغرب وشمال وشمال شرق البلاد وحتى في جنوب بغداد وجنوبها الغربي) وبقيت آثار ذلك ماثلة للعيان للأسف.
بالأمس نشر أحد الصحفيين العرب صورته، وهو يكرم من قبل مؤسسة عراقية، كان رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري وهو ممثل للسنة في العملية السياسية حاضرا وقدم لهذا الصحفي شهادة تقديرية ووضع قلادة حول عنقه، ويعد منصب رئيس البرلمان من حصة السنة حسب التفصيل الدستوري الذي توافق عليه السياسيون العراقيون الذين قسموا الكعكة بين الأقليات حسب نظام المحاصصة السياسية والطائفية والقومية. تورط الصحفي العربي الذي وجد إنه يشتم ويتهم بالخيانة والتخلي عن دماء العرب السنة التي ضاعت بين ( حانة ومانة ) حيث يقتلون بدم بارد من قبل الرافضة الكفار، وحار الصحفي كيف يرد على تعليقات، تصف سليم الجبوري إنه رئيس لبرلمان إيراني، بدعوى إن الإيرانيين يتحكمون بالدولة العراقية ويسيطرون عليها، وهذه ثقافة سادت بعد العام 2003 ولم يعد العرب يتقبلون سوى بأن السنة مظلومون، وإن الشيعة ظالمين، وكل ماتقوم به التنظيمات المسلحة في العراق، هو نوع من الجهاد لإستعادة الحقوق، وليس خافيا إن الإدارة السيئة وشعور الطوائف والقوميات بأنها تستحق أكثر من الحقوق جعل من أزمة البلاد عصية على الحل فالكتل الدينية والقومية إصطدمت ببعضها، وأدى ذلك الى صراع لاتعرف له نهاية حقيقية.
حكم السنة العراق لمئات من السنين، وشعرت القومية الكردية بالتهميش، وكذلك الطائفة الشيعية، لكن أحداث 2003 كانت عاصفة ونقلت الأشياء من أماكنها ووجد كل فريق إنه في مواجهة تسونامي مخيف عليه أن يتكيف معه، أو أن يصطدم ويخسر
( إندمج بعض السنة بالعملية السياسية، وصاروا جزءا من الحكومة، غادر عديدون العراق الى دول جوار، أوالى المهجر البعيد، إنتظم آخرون في مجموعات مسلحة تقاتل لإستعادة الحقوق بحسب وصفها، وإختار البعض أن يلتحق بصفوف الجماعات الدينية المتطرفة، ومنها القاعدة وداعش وغيرها، وهناك فئة خامسة ضائعة تضربها الريح).
قلنا مرارا، إن على العرب ان يتفهموا الوضع العراقي، ويتواصلوا مع نظرائهم في هذا البلد المرهق ليفهموا كيف تجري الأمور، وماالذي يمكن أن يتفقوا عليه في إطار من المصلحة على الأقل، فلو بقيت الحسابات طائفية وقومية فلن يتحقق تقدم يذكر في ظل هذا الإستقطاب المرير؟. هي فرصة قد لاتتكرر، وربما نمضي الى مجهول لاقرار له.