هل كان خروتشوف مستعدا لخوض حرب عالمية لأجل العراق الجمهوري ؟
آخر تحديث:
بقلم:سلام مسافر
في ثلاثيته ( نيكيتا خروتشوف ولادة الدولة العظمى) يروي سيرغي؛ نجل الزعيم السوفيتي،الذي هز العالم مرات على مدى فترة حكمه الممتدة اقل من عقد بعامين ؛تفاصيل مثيرة عن كيف استقبلت موسكو الخروتشوفية الانقلاب العسكري في العراق فجر الرابع عشر من تموز 1958.
ويؤكد سيرغي خروتشوف(1935) المقيم في الولايات المتحدة ويحمل جنسيتها؛ ان ازمة السويس واحداث العراق؛ كانا مداميك في ولادة الدولة السوفيتية العظمى؛ وان والده كان بارعا في توظيف الحالتين لصالح تعزير مكانة موسكو الشيوعية عالميا.
ويعتقد البروفيسور سيرغي خروتشوف في ثلاثيته الكبيرة ( اكثر من الفي صفحة)ان احداث صيف العام 1958 في العراق؛كانت نتبجة لانفجار ازمة السويس،والمواجهة التي اقتربت من حدود المجابهة بين القوات السوفيتية وقوات البحرية الأمربكية،والأسطول البريطاني في السويس؛ليصبح العراق ساحة المواجهة الجديدة.
ويقول نجل الزعيم السوفيتي ؛ عن والده المعروف بانه حطم عبادة الفرد في الاتحاد السوفيتي؛ ان خروتشوف اعتبر العراق مستعمرة بريطانية، وحكومة نوري السعيد “عميلة وخائنة. وليس صدفة ان يحمل التحالف العسكري الاستعماري اسم حلف بغداد “.
ويكتب:
“فجاة ودون سابق إنذار وقع انقلاب عسكري في بغداد،حين زحفت احدى الفرق العسكرية العراقية نحو بغداد بقيادة امرها عبد الكريم قاسم وصولا الى القصر الملكي ليمسك دون قتال السلطة التي تركها نوري السعيد نهبا للأقدار.
وكان اول قرار اتخذته الحكومة الجديدة الخروج من حلف بغداد؛ وبذلك دخلت بغداد بشكل الي في خانة أصدقاء الاتحاد السوفيتي”.
ويسرد خروتشوف الابن وقائع الإنزال البريطاني والأمريكي في لبنان والأردن ويرى فيه ردا استعماريا فوريا ” كان ينذر بتدخل عسكري إمبريالي في العراق كما فهمه خروتشوف الاب”.
ويكتب :
“لم يكن والدي في موسكو فقد سافر يوم 12 تموز/يوليو بدعوة من فالتر أولبرشت الى برلين لحضور مؤتمر الحزب الاشتراكي الألماني الموحد (الحزب الحاكم آنذاك في المانيا الشرقية ) وكنت بمعيته” .
ويقول :
” ما ان سمع والدي بخبر الانقلاب بعد وقوعه حتى اتصل بموسكو، وطلب موافاته بالتطورات دقيقة بدقيقة وتابع بقلق الإنزال الانكلو امربكي،وصاريعمل وفق سيناريو ازمة السويس”.
ويضيف:
“عدّل والدي في مسودة البيان الذي صاغته وزارة الخارجية السوفيتية حول الموقف في العراق وشدد لهجته واضاف عبارة تؤكد على ان موسكو تستند الى نهج الأفعال وليس الاقوال.
واذا اقتضى الامر فانها لن تتردد عن التدخل العسكري”.
ويقول:
” قبل ظهيرة الرابع عشر من تموز؛ أمر نيكيتا خروتشوف وهو ما يزال في برلين بإجراء استعراض للقوة العسكرية السوفيتية على الحدود مع تركيا وايران وان تقترب القطعات كثيرا من نقاط التماس”.
ويضيف :
” كان والدي على قناعة بان التدخل الانكلو امريكي واقع لا محالة .وان تركيا ستعلب دورا رئيسا في هذه المسرحية؛
القوات التركية تطلق الرصاصة الاولى فتهب معها القوات الامريكية والبريطانية وتغزو العراق”.
ويقول:
” لم يكن ذلك تحليلا،او استنتاجا قائما على تصورات؛ بل يستند الى تقارير دقيقة من الاستخبارات السوفيتية التي كانت ترصد على مدار اليوم المراسلات والنشاطات الدبلوماسية والعسكرية في البيت الابيض و10داوننغ ستريت.
وكانت التقارير السرية تغلف في ملف رمادي مائل الى الزرقة وتوضع على طاولة خروتشوف كل ساعة تقريبا”.
ويقول:
” مع تواتر المعلومات امر نيكيتا خروتشوف بإجراء مناورات عسكرية حية على الحدود مع تركيا وايران بمشاركة واسعة من القوات البرية والجوبة كي يفهم الغرب جدية نوايا الاتحاد السوفيتي ولترويع تركيا وايران وردعهما عن الامتثال الى الأوامر الأمريكية، والامتناع عن الانضمام الى الحملة المزمعة ضد العراق “.
وخلافا للعادة نشرت الصحف السوفيتية على صدر صفحاتها الاولى اخبارا عن انطلاق المناورات البرية والجوية للقوات السوفيتية في ماوراء القوقاز وتركمانيا وبمشاركة أسطول البحر الأسود.
وكانت تلك المرة الاولى التي تنشر فيها الصحافة السوفيتية تقارير عن مناورات عسكرية. والهدف واضح؛ إبراز مدى خطورة الوضع” .
وللتأكيد على الأهمية القصوى للمناورات امر خروتشوف بإيفاد النائب الاول لوزير الدفاع المارشال غريشكو لقيادة الميدان.
والتحق به في تركمنستان بطل الدفاع عن لينينغراد المارشال مريتسكوف . وتحركت القوات نحو الحدود.وغطت الطائرات السماء .وكان الوالد متوترا وهو يطالب بتجاوز العوائق البيروقراطية والتحرك بسرعة في سباق مع
الزمن .وكان يردد لو اننا تحركنا فورا لما استسهل الامبرياليون الإنزال السريع في الاْردن ولبنان وتهديد العراق الذي يواجه نظامه الجديدخطر الانهيار”.
وبعد عودة خروتشوف الى موسكو ، اتصل برئيس بلغاريا جيفكوف، وطلب منه ان تخوض القوات البلغارية،مناورات
على الحدود مع تركيا وبإسناد جوي سوفيتي يقوده مارشال الجو سكريبكو الذي تعرف الاستخبارات الامريكية انه قائد سرب الطائرات الاستراتيجية الموجهة نحو الولايات المتحدة .
وكان خروتشوف الاب يردد” دعهم يقلقون”!
وصباح 19 تموز /يوليو بعث خروتشوف برسائل الى الرئيس الامريكي أيزنهاور والى رئيس الوزراء البريطاني ماكميلان والفرنسي شارل ديغول والهندي نهرو يطلب فيها عقد اجتماع عاجل في اي مكان مناسب لهم وانه مستعد للالتحاق بهم .
و بعد ثلاثة ايام جاء الرد بالرفض الامر الذي كان خروتشوف يتوقعه وينتظره ؛ فطلب عقد دورة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة في الثامن والعشرين من تموز /يوليو. لكن الولايات المتحدة وبريطانيا ماطلتا في الموعد، بل وعقدت الدول الأعضاء في معاهدة حلف بغداد اجتماعا بلندن في نفس الموعد الذي طالبت فيه موسكو عقد الدورة الاممية الاستثنائية يوم 28 تموز.
وقام خروتشوف في 31 تموز بزيارة سرية الى بكين مصطحبا معه وزير الدفاع المارشال مالينوفسكي؛ لاثارة المزيد من القلق لدى الغرب. وتلقى وهو في بكين برقية تفيد ان الجلسة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة ستلتئم يوم 12 اب/اغسطس في نيويورك. وعاد خروتشوف من بكين الى موسكو في الخامس من اب/اغسطس ولاح انه اقنع ماوتسي تونغ بدعم سياسة موسكو في الشرق الاوسط الذي كان بعيدا عن اهتمامات الصين الماوية.
ويقول سيرغي خروتشوف ان والده شعر بالانتصار وبانه فرض إرادة الدولة السوفيتية العظمى على الامبرياليبن وحمى العراق من التدخل .
ويقول :
“في السابع من اب/اغسطس، اعلنت الصحف الصادرة في موسكو عن انتهاء المناورات .وطار غروميكو وزير خارجية الاتحاد السوفيتي، الى نيويورك في العاشر من الشهر لحضور الدورة الاستثنائية للأمم المتحدة. وسافر نيكيتا خروتشوف الى مقاطعة كويبيشوف لافتتاح محطة ضخمة للكهرباء على نهر الفولغا.
ومن هناك اعلن امام الجمهور عن نصره المؤزر. وكيف أوقف “عدوان الإمبرياليبن على العراق”.
ويقول نجل الزعيم السوفيتي المثير للجدل الى الان:
” أيقن والدي ان الآخرين لايفهمون الا لغة القوة، وان الدبلوماسية لن تنجح الا اذا ترافقت مع القوة العسكرية” .
ويقرر:
“ان ازمة السويس ؛والإنذار السوفيتي الشهير بوقف العدوان الثلاثي على مصر وبعدها احداث العراق كانا أساسيين في تثبيت نهج ولادة الدولة العظمى وفق رؤية نيكيتا خروتشوف”..