بنظرة سريعة الى النكبات والانتكاسات، والمنزلقات الخطيرة التي انزلق في وحلها العراق بعد سني الانعتاق من كبول الدكتاتورية عام 2003، نرى أن أغلبها -إن لم يكن جميعها- قد حدثت بسبب أشخاص عراقيين معينين، تسنموا منصبا مرموقا في قيادة ركن من أركان البلد، سواء على الصعيد المدني او العسكري، فأساءوا العمل وإن أجادوا القول، وقد قيل في وصف أمثالهم قديما:
يريك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ منك كما يروغ الثعلب
والأمثلة على هؤلاء تعج بها ساحة المؤسسات المكتظة بالفاسدين والمفسدين والخائنين والمتواطئين، وإن اختلف اثنان في هذا أو ذاك فمن المؤكد أن أحدهما فاسد لامحالة.
والغريب أن هؤلاء لم يأتوا (من زرف الحايط) ولم تأت بهم كتل وأحزاب وائتلافات من المريخ أو زحل، وقطعا كان انتقاؤهم بعيدا عن ضوابط ومؤهلات وامتيازات مدروسة ومحسوبة لمن يشغل مناصبهم، ومن المفترض أن تؤخذ بنظر الاعتبار فيها مستويات أدائهم ليس في الظروف الطبيعية فحسب، بل في الظروف الطارئة والاستثنائية والقسرية التي قد يمر بها البلد، حيث لاينفع مسؤول يتقن عمله خلف مكتبه فقط، فيما يسيء التصرف في مفاصل مؤسسته وبين أروقتها، او قائد عسكري يجيد ارتداء بزته العسكرية بقيافة منضبطة في (ساحة العرضات) ولايجيد فنون القتال والقيادة في سوح الوغى، او في المنازلات الحقيقية عندما تكون (الطاوة حارة).
يروى أن شخصا كان يدّعي ممارسة رياضة الطفر العريض بمهارة منقطعة النظير، ويتبجح أن بإمكانه طفر مسافة عشرين مترا من دون أن يجهد نفسه، وقطعا مسافة كهذه لايحققها حتى أمهر المخلوقات بالوثوب والقفز. ولما ضاق الناس ذرعا بتبجحه المستمر بهذه القابلية، أتوا به الى ساحة واسعة وطلبوا منه أداء قفزته الفريدة التي يدعي بها، فإذا به يقول انه يمارس هذه القفزة في الشام وليس في العراق!.
وباحتساب ادعائه صحيحا، أرى أن الأرض واحدة، فمن يكمن الشر في قلبه ويعشعش البغض والحقد والكره في عقله، تكون كل بقاعها أرضية خصبة لشروره. كذلك من ترتقي نفسه الى المحبة والسلام والوئام، فالأرض كلها مفروشة أمامه بالحب والورد والانسجام، وللإثنين الخيار بينهما، أما انتقاء احدهما ونبذ الآخر فهذا من مسؤولية الرأس في الحكم إن كان شخص رئيس الوزراء ام مجلس رئاسته! وعليهم يقع وزر اختيار القائد و (راس الشليلة) في الميادين كلها.
وكلنا شهد الحراك الذي رافق تشكيل الحكومات طيلة السنوات الماضية، وكيف كان الصراع على الكراسي سيد التحركات. كذلك شهدنا إخفاقات عدد من رؤساء الوزراء في تشكيل حكوماتهم، إذ باتت الحقيبة الوزارية معضلة وعقدة يصعب حلها، وتكون النتيجة أن يبقى المنصب شاغرا، أو يدار من قبل رئيس الوزراء نفسه، أو تعيين شخصية لتسنمه وكالة وليس أصالة، ومن المعلوم أن الوكيل ليس كالأصيل في كل شيء، ففسحة صلاحيات الأول ليست كالثاني، فما بالنا اليوم وقد أضحت المعضلة هي انتقاء شخص رئيس الوزراء، وهو فرد واحد، فكيف الحال في مجموعة حقيبته الوزارية وعدد الوزراء فيها كثيرون؟
وبين هذا وذاك، يراوح البلد مكانه، وتسير المؤسسات نكوصا بخطوط بيان نحو القاع، والضحية الوحيدة في هذا التلكؤ هو المواطن.