العراق بعد 2003 دولة فاشلة

العراق بعد 2003 دولة فاشلة
آخر تحديث:

بقلم:سعد الكناني

لا تختلف مراكز الأبحاث على ان الدولة الفاشلة هي” الدولة العاجزة عن أداء وظائف التنمية وحماية أمنها وفرض سيطرتها على أراضيها وحدودها”. وهناك دراستان إحداهما لكل من (جيرالد هيرمان وستيفين راتنر) أشارا فيهما إلى أنّ الدولة الفاشلة هي التي “لا تستطيع أن تلعب دورا ككيان مستقل”، وأخرى (لوليام زارتمان) يقول فيها إنّ الدول المنهارة هي “ تلك الدول التي لم تعد قادرة على القيام بوظائفها الأساسية”. وهناك آراء أخرى لباحثين تقول ” إنّ الدولة الفاشلة هي التي تحكمها الميليشيات، أو تلك التي تكون عاجزة عن تحقيق الاستقرار والسلم لشعوبها نتيجة عجزها أمام قوى العنف الموازية لعنف الدولة، أو تلك التي تفقد السيطرة على أراضيها أو جزء منها ” ، ما يعني عدم الإيفاء بالتزاماتها تجاه شعوبها وتوزيعها العادل للثروة.

وهناك مقياس للدولة الفاشلة استنادا إلى أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية،  ومن المؤسسات التي اهتمت بتعريفات علمية للدول الفاشلة صندوق السلام وهو مؤسسة أميركية غير ربحية تأسست في واشنطن عام 1957، وقد حدّد الصندوق أربع خصائص في تعريفه للدولة الفاشلة تمثّلت في:-

  1. فقدان سيطرة الدولة على أراضيها أو جزء منها ، أو فقدان احتكار الاستخدام المشروع للقوة والسلطة داخل أراضيها.

  2. تآكل السلطة الشرعية إلى درجة العجز عن اتخاذ قرارات موحدة.

  3. عدم القدرة على توفير الخدمات العامة.

  4. عدم القدرة على التفاعل مع الدول الأخرى كعضو كامل العضوية في المجتمع الدولي.

ما ورد أعلاه ينطبق على الدولة العراقية بعد 2003. هذا البلد العملاق الذي حضارته تمتد لأكثر من سبعة آلاف سنة أصبح يعاني من الفشل التام جراء حكم المتخلفين والفاشلين والفاسدين تحت يافطة الإسلام السياسي، والمحاصصة، والمكوناتية، وغيرها من مصطلحات التشتت ، والضياع،  وفقدان المعايير الوطنية والأخلاقية ، من خلال طبقته السياسية الحاكمة ، حتى أخذ الشعب يردد  ماضي العراق أفضل من حاضره .

بلد تحت حكم القرار السياسي الإيراني وميليشياتها ، هو البلد الوحيد في العالم الخالي من المعارضة البرلمانية ، حتى ذهبت الأحزاب المتنفذة إلى تأسيس ” ائتلاف إدارة الدولة” أي البرلمان والسلطة التنفيذية تحت عنوان واحد ، وتمرير القوانين لصالح اجندتهم الحزبية وارتباطاتهم الخارجية ، وقد تلاعبت طبقته السياسية  بالمفاهيم  والمصطلحات ، وما مفردات “التوافق والشراكة ” إلا تجسيدا للمحاصصة وتكريس الطائفية والعنصرية القومية والمناطقية لتهديم البلد كما هو حاله الآن.

منذ 2003 ولغياية 31 كانون أول 2022 “ضاعت” من  العراق نحو تريليون وستمائة مليار دولار،  المبلغ الذي بإمكانه أن يجعل البلد بمستوى البلدان المتقدمة في كافة المجالات والإنسان العراقي في أفضل حالاته ،إلا أنه سرق تحت أعين المجتمع الدولي ، وما زال المال العام يسرق رغم دعوات ” مكافحة الفساد”.

الفوضى والفساد هي من تعمل على إدامة النظام السياسي الفاسد الفاشل، وهناك توافق ضمني بين زعماء العملية السياسية على نهب الثروات والموارد الاقتصادية للدولة، يجري عن طريق أحزابهم وسلاح ميليشياتهم المنفلت، أو يجمع بين قوة السلاح والنفوذ السياسي. فكل هذه الطرق تؤدي إلى نتيجة واحدة، هي نهب الثروات، ومن ثم تكون مهمة الحكومات إدارة نظام الحكم على أساس تحقيق التوزان بين رغبات ونفوذ مافيات السلطة.

المصيبة الأخرى أن بعض دول المنطقة لا تريد انهيار هذا النظام وتعمل على إبقاء العراق دولة ضعيفة، لذلك هي تغذي الانقسام والضعف والفساد؛ لأنه يسهل تمرير مصالحها. وإيران نجحت من خلال  أدواتها المحلية  من تمزيق النسيج الاجتماعي العراقي وجعل البلد غير قادر على النهوض على قدميه لسنوات طوال، ولن يكون عنصر قوة في المنطقة مرة أخرى ، حتى  أضعفت الصوت الحر المنادي بالتغيير والإصلاح  الحقيقي ، والاستمرار في صنع الأزمات لضمان بقاء هذا النظام جاثم على صدر الشعب .

لن يتقدم العراق خطوة واحدة نحو الأمام في ظل الحكم الإطاري  ، وما الإتفاقيات الاقتصادية  مع إيران سواء في مجال النفط والطاقة، او التجارة ، او الربط السككي الكارثي ، او توريد الغاز منها لمدة خمسة سنوات بأسعار مضاعفة ، او في المجال الأمني ، أو في المواقف السياسية الداخلية والخارجية ، أو ملف المياه،  كلها تؤكد تبعية هذا النظام لإيران وليس للعراق ، الخاسر المواطن العراقي ،

وقد وصلت نسبة الفقر إلى 22% والبطالة إلى 16%  وخلو البلد من البنى التحتية مقابل الإعلان عن مشاريع  موجودة على الورق وليس لها أصل على الواقع . والعجيب ولا عجب في العراق ان جميع موازناته السنوية بلا عرض حساباته الختامية  ، حتى موازنة 2023 هي خلاف لقانون الإدارة المالية ، وتعتمد على الاقتراض،  وعجز أكثر من (64) تريليون دينار، لوزارتي النفط والكهرباء الحصة الأكبر فيها ، والكهرباء صرف عليها اكثر من (62) مليار دولار من 2006 لغاية  25/10/2022 والبلد بلا كهرباء. وتشكل النفقات التشغيلية فيها نحو 75%. وفرق في سعر صرف الدولار بين الرسمي والموازي في الأسواق لصالح مصارف أحزاب إيران الذي يدر عليها أرباحا بعشرات الملايين من الدولارات شهرياً. ومبيعات البنك المركزي من الدولار لاتقل عن (200) مليون دولار يوميا، والسيد السوداني في تصريح رسمي له يوم 1/2/2023  قال ” أي مبلغ يباع من قبل البنك المركزي يزيد عن 30 مليون دولار يوميا فهو تهريب للعملة”!!. وما صمود نظام الملالي ومطاولته امام العقوبات الأمريكية والأوروبية هو بسبب الدعم الاقتصادي والمالي العراقي  دون حسيب ورقيب.

الأحزاب الإطارية والمتحالفين معها من الكرد والسنّة قد نصبوا الجدران المانعة أمام أي فرصة لبناء دولة وطنية مدنية. وجعلوا من إيران مكانة الإلهام والتوجيه الفكري والسياسي والتنظيمي وتجريم الرأي الآخر باعتباره مناهضا للمشروع الإيراني. وكل هذا يحدث امام المجتمع الدولي الذي ما زال ساكتا على الوضع العراقي المأساوي. ونجدد التأكيد ، أن المنجز الوطني السياسي والاقتصادي والأمني هو من يصنع الزعامة السياسية وليس الخطابات والشعارات الرنانة الكاذبة .

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *