بين حمل الكتب وتحميلها

بين حمل الكتب وتحميلها
آخر تحديث:

ياسين النصير

منذ ثلاث سنوات وأنا أحمّل كومبيوتري كتبًا أراها مفيدة لي، بعد أن تعذر حصولها من المكتبات بالرغم من كثرة أسفاري للمعارض وتجولي بين المكتبات، بينما كنت قبل هذه السنوات، أحمل الكتب بيديّ كما لو كانت بضاعة اشتريها من السوق. اليوم أحَمّل الكتب في جهاز يخزنها بدلا من مكتبتي، فالعولمة تخلق عالما مجاورا لعالمنا الطبيعي الذي تعطل عن السرعة، وعندما يخفيها عني في طياته الخوارزمية لايتطلب مني ذاكرة الرؤية، المسألة كلها كأني لم أحَمّلها جهازي أو أنها ليست معلنة أمام رؤيتي لأن الجهاز يطويها في ملفاته ومن الصعوبة ان تكون حاضرة لأنها لا ترى بل تستحث ذاكرتك للعثورعليها. في حين ان الصورة الثانية للكتب المشتراة والتي اثقلت بها يداي لسنوات طويلة وحملتها معلنة في الهواء ومنافسة لأية «علاكة» مسواك، قد احتلت رفوف مكتباتي الثلاث: الاولى في بغداد وهي عامرة بأكثر من عشرة آلاف كتاب، والثانية في هولندا وتحتوي على ثلاثة الاف كتاب- تبرعت بمئات الكتب منها لجهات ثقافية ولاشخاص والقيت بعض الكتب في خزانات للأوراق المهملة، والثالثة في مدن عراقية وأجنبية مختلفة وضعتها مؤونة لسفراتي واستقراري فيها لايام. وعمومًا فالكتب المشتراة والمهداة قائمة كشواهد أمام بصري في حين أن تلك التي حملتها من مواقع التواصل الاجتماعي لا أراها ولا أتفاعل بصريا وحسيا معها، موجودة كجثث مغطاة بالضوء.نحن يا أصدقائي ضحية العولمة في جانبها الإيجابي حين توفر لنا أرضية واسعة من استثمار وقتنا، وفي الوقت نفسه ضحية سلبيتها من أنها لا تكون حاضرة أمامنا الا في لحظات استذكارها- هذا اذا استطعت أن تتذكر الكتب التي تحتاجها في عملك. فالغياب في المكتبة الالكترونية لا يشكل حضورًا، كما لو كان الكتاب جثة تريد استعادتها، بينما الغياب في المكتبة البيتية حضورًا يمكن أن تعثر فيها على الكتب حالما تبحث عنها.ليست هذه كل المشكلات التي أعاني منها عندما احتاج إلى مصدر أو مرجع، ففي المكتبة الالكترونية أجد صعوبة في نقل مقطع شاهد أو مقتبس لأن المصدر منقول بطريقة (الصورة) بي دي اف، وتكون الصعوبة أكثر عندما يرتبط نقل المقطع المراد بتدوين المصدر والمؤلف والمترجم ودار النشر وسنة الطباعة ورقم الطبعة والصفحة…الخ، وكل مرة تعود الى الصفحات التي فيها هذه المعلومات، في حين ان الكتاب الذي بين يديك يُقصّر هذه المسافات ويجعلها متاحة لك ولفرص أخرى، فالتقليب باليدين أسرع من التقليب بالعينين.ثمة صعوبة ثالثة، وربما تكون أكثر الصعوبات اشكالية، إذ يلجأ البعض منا الى وضع هوامش على الكتاب الذي تقرؤه، وهذا ما أفعله مع كل كتاب اقرؤه، وقد اقرأ الكتاب مرتين او ثلاثا، وفي كل مرة اضع هوامش تخصني على صفحاته. فالكتاب الورقي يتيح لي قراءة مستويات قراءاتي السابقة له، بينما لا يتيحها الكتاب الالكتروني لي. إن هذه الذرات الهامشية مهمة ومفيدة، عندما تجد لمشروعك مدى في كتب وأفكار أخرى. وللحقيقة أرفض قراءة أي كتاب الكتروني أو غير الكتروني وقد همش البعض على صفحاته، لأنه أنا من يجب أن يضع الهوامش على صفحاته لان هوامشي هي قراءتي، فكيف بكتاب منقول الكترونيا لا أستطيع أن أهمش عليه؟.في ضوء كل هذه المعوقات بدأت افقد العلاقة مع الكتب التي انقلها من الصفحات الألكترونية. 

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *