حرب غزة.. وحرب فرض الهيمنة الإيرانية

حرب غزة.. وحرب فرض الهيمنة الإيرانية
آخر تحديث:

بقلم:خيرالله خيرالله

كانت 2023 سنة حرب غزة. سيظل العالم منشغلا لفترة طويلة بتلك الحرب المرشحة لأن تستمر أشهرا عدة في ضوء فشل إسرائيل في تحقيق هدفها المتمثل في القضاء على حركة “حماس”. اتخذت الدولة العبرية قرارا في غاية الوضوح يتمثل في القضاء على غزة وإزالتها من الوجود كبديل من القضاء على “حماس”. بكلام أوضح، لن تكون مساحة غزة البالغة نحو 365  كيلومترا مربعا مكانا قابلا للحياة في المستقبل المنظور.

ثمة جانب يتجاهله عامة الناس في الوقت الحاضر ويتحدث عنه كبار المسؤولين في الأمم المتحدة همسا. يتمثل هذا الجانب في التأثير البيئي لحرب غزة ومدى انعكاس ذلك على الحياة البشرية في القطاع مستقبلا. ألقت إسرائيل، إلى الآن، كمية من المواد المتفجرة تزيد ثلاث مرّات ونصف المرّة عن حجم قنبلة هيروشيما. سيؤدي ذلك إلى تغيير طبيعة البيئة في غزة لسنوات طويلة، خصوصا أنه ليس معروفا تماما نوع المتفجرات التي ألقتها إسرائيل في حربها على “حماس” التي تحولت إلى حرب على غزة.

ليس في العالم من يبدو قادرا على وضع حد لحرب غزة. وحدها الولايات المتحدة كانت تستطيع ممارسة ضغط على إسرائيل من أجل وقف المأساة ومباشرة البحث في مخرج سياسي. لكن الواضح أن ذلك ليس واردا لأسباب عدة. بين هذه الأسباب وجود أحد عشر شهرا تفصل عن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. لا يستطيع رئيس مثل جو بايدن، يسعى إلى الفوز بولاية جديدة، تحدي إسرائيل في هذا التوقيت بالذات، خصوصا أن الجمهوريين مستعدون للاستفادة من أيّ خطوة يتخذها في هذا الاتجاه عبر المزايدة عليه.

ستستمر حرب غزة وستستمر معها المأساة التي تسببت بها هذه الحرب التي بدأت في السابع من تشرين الأول – أكتوبر الماضي. بعد أيام قليلة، تدخل حرب غزة شهرها الرابع من دون أن يلوح في الأفق أيّ أمل بوقفها. يبدو العالم مستعدا ليكون شاهدا على جريمة لا سابق لها ترتكبها إسرائيل في حق شعب بكامله مستغلة هجوم “طوفان الأقصى” الذي شنته “حماس” التي ليس معروفا بعد ما دقة حساباتها السياسية وكيف يمكن الإقدام على مثل هذه المغامرة من دون الأخذ في الاعتبار لرد الفعل الإسرائيلي.

ما لا مفر من الاعتراف به أن إسرائيل في مأزق لم يسبق لها أن مرت بمثيل له منذ قيامها في العام 1948. تعاني الدولة العبرية من أزمة وجودية لن ينهيها تحويل غزة إلى أرض طاردة لأهلها. في أساس المأزق الإسرائيلي العجز عن استيعاب أنّ لا مجال لتصفية القضية الفلسطينية مهما بلغت درجة العنف المستخدمة. يعود ذلك إلى أن القضية الفلسطينية، التي أعادتها حرب غزة إلى الواجهة عالميا وإقليميا، قضية شعب لا يمكن قهره مهما مرّت السنوات ومهما بلغت كمية المتفجرات التي ألقيت وستلقى على غزة… ومهما بلغت درجة القمع التي تمارسها إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة.

تخفي حرب غزة أسئلة ستطرح نفسها في سنة 2024. في مقدم هذه الأسئلة ما مصير الدور الإيراني في المنطقة، خصوصا بعدما تبين أن “الجمهورية الإسلامية” تتحكم بقرار توسيع هذه الحرب أو بقاء الحرب محصورة بغزة، وإن نسبيا. تظهر إيران قدرتها على توسيع حرب غزة في كل يوم. هناك نصف حرب تشنها إيران على إسرائيل، عن طريق جنوب لبنان. هناك في الوقت ذاته توسيع لمدى قدرة الحوثيين في اليمن على تعطيل الملاحة في البحر الأحمر. معنى ذلك بكل وضوح عرقلة خط الملاحة الذي يؤدي إلى قناة السويس.

ما نشهده على هامش حرب غزة تعزيز للدور الإيراني في المنطقة على كل المستويات، بما في ذلك ممارسة ضغوط على الأردن واستخدام الحدود الأردنية – العراقية لحشد قوات تابعة لـ”الحشد الشعبي” عند نقاط معينة. أكثر من ذلك، هناك زيادة في وتيرة التهريب من جنوب سوريا في اتجاه الأردن. توجد جماعات إرهابية تسعى إلى تهريب المخدرات إلى دول الخليج وأسلحة إلى الأردن. الأهم من ذلك كله، كشفت إيران أنها استطاعت السيطرة سيطرة كاملة على العراق وأن الدولة الوحيدة التي يجب أن يحسب لها حساب في العراق، من الآن فصاعدا، هي “دولة الحشد الشعبي”. حال العراق مثل حال لبنان الواقع تحت السيطرة الإيرانية وذلك بعدما انتصر “حزب الله” على الدولة اللبنانية وصار صاحب قرار الحرب والسلم في البلد.

نعم، هناك حرب تدور في غزة. تشن إسرائيل حربا على الشعب الفلسطيني مستغلة “طوفان الأقصى” وما قامت به “حماس” التي استطاعت، شئنا أم أبينا، إدخال الدولة العبرية في مأزق وجودي جعل مستقبلها على كف عفريت. هذا لا يعني أن في الإمكان إخفاء الجانب الآخر لحرب غزة، أي جانب الاستغلال الإيراني لهذه الحرب في وقت تمر فيه الإدارة الأميركية بحال ضياع لا يعبّر عنها أكثر من مواقفها المتناقضة من الحوثيين في اليمن. ذهبت في مسايرة هؤلاء إلى أبعد حدود منذ دخول جو بايدن البيت الأبيض قبل نحو ثلاث سنوات. لا تزال تتصرف بحذر مع هؤلاء غير مدركة أنهم أداة إيرانية ولا شيء آخر غير ذلك.

تبقى المصيبة الكبرى في تجاهل السيطرة الإيرانية على العراق، وهي سيطرة تزداد يوما بعد يوم منذ استطاعت الميليشيات العراقية التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني تحويل انتخابات 2021، التي خسرتها بلغة الأرقام، لمصلحتها. جاءت هذه الميليشيات بحكومة برئاسة محمد شياع السوداني وقضت على كل هامش يعبر عن نزعة استقلالية عراقيا. قضت على كل رغبة عراقية في التخلص من الهيمنة الإيرانية فيما الإدارة الأميركية تتفرج.هناك حربان تدوران في المنطقة. تخفي حرب غزة حربا أخرى. هناك حرب غزة وهناك حرب فرض الهيمنة الإيرانية على المنطقة. يجمع بين الحربين الموقف الأميركي المتسم بالميوعة. تنسحب الميوعة على أوكرانيا التي باتت متروكة لمصيرها ولقدرة شعبها على الصمود في وجه الوحش الروسي.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *