الكلام الحاسم عن العلاقات بين الحزبين السياسيين الرئيسيين في كوردستان (البارتي واليكيتي)، متعذر ويقتضي التمعن بتجارب وحقائق رسمتها أيام مرة كالعلقم وأخرى حلوة كالعسل. كما يصعب التكهن بتداعيات علاقاتهما على الممارسة الديمقراطية وعلى الشعب الكوردستاني عامة وعلى نشاطات ونشاحات حكومة الإقليم التي نسجت علاقات إقليمية ودولية متوازنة.ما يحصل الآن بين الحزبين ليس بجديد، لإنهما الثنائي الشقيق المتخاصمين والأكثر قرباً في آن واحد لجهة الحفاظ على مصالحهما ومصالح الكوردستانيين عامة، وإنهما اللذين كانا ألد عدوين، قررا بهدوء أن يصبحا حليفين إستراتيجيين ويمهدا كل الطرق ونقاط التحول بينهما، الى المشاركة والمصالحة وتصويب البوصلة باتجاه الإنفتاح وعدم التشدد إزاء ما حصل في الماضي وما سيحصل في المستقبل.
الحزبان يواجهان تحديات كثيرة متشابهة، بعضها داخلية تكمن في تشابك عدد من العوامل والمصالح، كالحرص على الديمقراطية والحفاظ على المكتسبات المتحققة بدماء الشهداء وتعزيز الحريات العامة والعلاقات مع بقية الاحزاب الكوردستانية والعراقية والدول الإقليمية والعالم، وإحتمالات عودة ظهور داعش، أو أي تنظيم إرهابي آخر على حدود الإقليم. أما الخارجية فأبرزها إحتمال تأزم العلاقات بين أربيل وبغداد مرة أخرى وتدهور الحالة الاقتصادية والمالية، وإستمرار الجانبين التركي والإيراني في الإعتداء على أراضي ومدن الإقليم، إضافة الى إحتمال حدوث المواجهة العسكرية بين إيران وأمريكا على أرض الإقليم والعراق.
البارتي، المصر على إستخدام كل الوسائل المتاحة، لتجنب النزاع والصراع مع اليكيتي ومنع تفجر الأوضاع، والواثق من إمكانياته وقدرته على تصحيح أخطائه والتغلب على المؤمرات التي تستهدفه والصمود أمام الضغوطات الكثيرة، وتجاوز العقبات والتهم التي تطاله من الآخرين، والمتطلع الى تطبيق قرارات مؤتمره الأخير على أرض الواقع. متأكد من سهولة تطبيع علاقاته مع اليكيتي وإعادتها الى أوضاعها الصحيحة.
اليكيتي، الذي يمكن وصف وضعه بالمعقد والصعب، بسبب تعرضه لإنقسامات متتالية ورحيل سكرتيره العام، وطغيان نفوذ البعض على حساب الحرس القديم، لا سيما بعد مؤتمره الرابع، وتداعيات إتفاق أحدى أجنحته على تسليم كركوك والمناطق الكوردستانية الإخرى الى الحشد الشعبي في 16 إكتوبر 2017، وتداعيات أحداث الثامن من تموز2021، وزيادة حركات الاحتجاج والتذمر في معقله وداخل صفوفه والتي لايمكن ان تخبو بسهولة، ناهيك عن الاصطفاف والانخراط مع الاطار التنسيقي الشيعي في جهود تشكيل حكومة العراق دون برنامج معلوم، وخسارة مرشحه لرئاسة الجمهورية. والتشكيك الكبير في شرعية قيادته، والذي يهدد وجوده بشكل غير مسبوق. وما يلوح في الأفق من إنقسامات وشقوق وتناقضات مريبة بين أركانه، والتي ظهرت ملامحها بشكل جلي بعد تصفية قائد شرطة رانية وضابط إستخبارات في أربيل، والتي إعتبرها الكثيرون إستفزازاً وإنتهاكاً للقانون، فقد خسر جانباً كبيراً من سمعته وهيبته ومكانته التقليدية، ولكنه لم يخسر كل شىء.في المحصلة، يمكن القول: رغم وجود التردد في إتخاذ قرارات نهائية، ووجود سوء التفاهم والإستياء من المبادرات التي إتخذها الطرف الآخر من دون استشارة مسبقة، وسلسلة طويلة من القضايا القديمة، يستطيع الحزبان طي صفحة خلافاتهما وتجاوزها، وتحويل الخلافات والمصالح المتباينة إلى شراكة وعمل مشترك.