العراق…السيادة الضائعة بين أروقة السفارات

العراق…السيادة الضائعة بين أروقة السفارات
آخر تحديث:

بقلم:سمير داود حنوش

توزعت الأرزاق على النحو التالي: لأمريكا حق النقض ولإسرائيل حق الإنقضاض وللعرب المسلمين حق الأنقاض كما يصفها الشاعر العراقي أحمد مطر.لم يحصل العراق وشعبه سوى الأنقاض وجثث أبنائه التي مُدّت فوقها أنابيب النفط لتوفر الدفء لمن كانوا السبب في خرابه وتدميره.مشاهد الأنقاض وصور الإحتلال القاتمة والفساد وتدمير بلد وحضارة وإبادة شعب ولازالوا يتحدثون عن السيادة، فأي وقاحة وإستخفاف بالعقول حين يصفون هذه السيادة وهم الذين يحجّون إلى مقر السفارة لتقديم فروض الطاعة والولاء وتلقي النصيحة من أصغر موظف يعمل في مقرها.

منذ أول سفير حطّت أقدامه أرض العراق وهو جون نيغروبونتي عام 2003 وبعده محاولات السفير زلماي خليل زاده من خلال وضع وصايته أو بصماته في الدستور العراقي الذي كُتب عام 2005 مع ماتضمن كل تلك الألغام التي وضعت في طريق النظام السياسي العراقي وماسببت من فوضى وتناحر وإختلاف على بنوده مازالت منظومته السياسية تُعاني من تبعاته حتى كتابة هذه السطور.

تاريخ حافل بالمؤامرات والخديعة منذ أيام السفيرة أبريل غلاسي التي أقنعت الرئيس العراقي السابق صدام حسين بأن مشاكله مع جارته الكويت هو شأن داخلي لاتتدخل فيه أمريكا، حينها إعتقد رئيس النظام أنه ضوء أخضر لغزو الكويت وجعلها المحافظة العراقية رقم (19) فكانت بداية الكارثة والإنهيار وحصار الشعب العراقي ومنعه من الغذاء والدواء وسلب سيادته وجعله رهينة لإرادات دولية ومصالح إقليمية وقرارات أُممية إنتهكت حتى قراره السياسي والسيادي من خلال بعثات تفتيش الأمم المتحدة التي كانت تدخل قصور صدام لتفتيشها من أسلحة الدمار الشامل المزعومة وصلت حتى إلى غُرف نومه، وبالرغم من ذلك كانوا يتحدثون عن السيادة.

قرار مجلس الشيوخ الأمريكي في آذار الماضي بتعيين السفيرة فوق العادة لبلادها في العراق ألينا رومانوفيسكي يحمل الكثير من المعاني والرسائل التي تنوي الإدارة الأمريكية إيصالها من خلال هذه الموظفة التي عملت ضمن وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) والسفيرة السابقة لدى دولة الكويت، فالمتعارف عليه في كل الأعراف الدبلوماسية والبروتوكولات والمواقف الدولية والمعاهدات وسياقات إحترام إرادات الشعوب أن صلاحية السفير تقتصر في إدارة شؤون بلاده ومواطنيه في رحاب الدولة المضيفة وأن لاتتجاوز هذه الصلاحيات جدران السفارة أو الشارع الذي يجاور مبنى السفارة، لكن يبدو أن مفهوم السيادة لدى البعض من ساسة العراق ممن سمح أن تتجاوز صلاحية السفير الحدود إلى أدق التفاصيل في النظام السياسي ومحاولات فرض الرأي والإرادة في مُجريات وقرارات الدولة المضيفة والتدخل في الشأن الداخلي بسلوك دبلوماسي مشبوه يُعيد إلى الأذهان تصرفات المندوب السامي الذي كان يتحكم في الشأن العراقي أثناء الإنتداب البريطاني للعراق.

السفيرة الأمريكية الجديدة التي تحاول ضمن إستراتيجياتها المستقبلية لهذا البلد بمزيد من التعاون الثقافي والإقتصادي قد يصل إلى إعتماد العراق على الواردات والمحاصيل الأمريكية في محاولة لخلق تبعيات متنوعة تقود لمساحات أوسع من التحكم بالقرار السيادي.

لعبة القط والفأر التي دأبت عليها الإدارة الأمريكية من خلال تعيين سفراء أو موظفين أو عملاء للمخابرات الأمريكية من المؤكد انه إحتلال مبطن دبلوماسياً أو بإدارة مندوب سامي جديد يقود هذا البلد من خلال إدارة مستترة بالخفاء يخرج صداها من وراء جدران السفارة بقرارات وتوصيات الحاكم المدني لبلد محتل وليس ببعيد ذلك المشهد الذي كان فيه الحاكم المدني بول بريمر وهو الرئيس الفعلي للعراق متربعاً على أحد العروش في القصر الجمهوري الذي دخله في الثاني عشر من آيار من عام 2003 وأمامه مجموعة (عراقية) سُميّت حينها مجلس الحكم في إكذوبة أو مفارقة مضحكة بأن يحكم كل منهم العراق لمدة شهر واحد كرئيس للعراق، لكن الحقيقة أن بريمر كان هو الرئيس والحاكم بأمر العراق.

قرار مجلس الشيوخ بتعيين السفيرة ألينا لايدّع مجالاً للشك أن محاولات فرض التطبيع مع الكيان الصهيوني ومحاولات التهيئة لإيجاد أرضية صالحة لهذا التطبيع قد بدأت تتوضح، فهل أدرك الساسة الذين يتوافدون على أبواب السفارة الأمريكية لتقديم التبريكات والتهاني لكل سفير جديد إن القديسة الجديدة التي سيتلقّون أوامرهم منها ماهي إلا عنوان جديد للتطبيع والتجويع؟ وبعد الذي حصل ويحصل هل هناك من يقول أنها نظرية مؤامرة؟ فالسيادة العراقية ضاع عنوانها بين السفارات منذ عام 1991 وأُهدر دمها منذ ذلك الوقت في أروقة سفارات أمريكا وتركيا وإيران ودول عربية وغيرها لتصبح أشتاتاً ممزقة أو أطلال يتغنى بها البعض، وفي حقيقة الأمر أنها إقطاعية تتقاسمها سفارات دول ومصالح حكومات على أرض العراق، وإذا كان غير ذلك فإسألوا بول بريمر كيف سعى لخراب العراق وماهو دور شريكه زلماي خليل زاده في كتابة دستور بائس لازالت آثاره بصمات في الحياة السياسية…إسألوهم ثم أجيبوا عن السؤال إن كانت نظرية مؤامرة أو لا؟

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *