العراق السرّي (4) معصوم للمالكي: الحق معك لكنّي أتعرض لضغوطات

العراق السرّي (4) معصوم للمالكي: الحق معك لكنّي أتعرض لضغوطات
آخر تحديث:

 

 سليم الحسني

بعد انتخابات 2014، انتهت المدة الدستورية لرئيس الجمهورية السيد جلال الطالباني، فظهر التنافس حاداً بين ثلاث شخصيات كردية على المنصب: الدكتور برهم صالح، الدكتور فؤاد معصوم، الدكتور نجم الدين كريم. وقد أثار التنافس مشكلة داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، بحيث فشلت محاولات التفاهم والاتفاق على مرشح واحد. لكن حظوظ نجم الدين كريم بدأت تتراجع أمام قوة المنافسين الآخرين.

حاول السيد فؤاد معصوم استخدام العامل العاطفي للتأثير على السيد برهم صالح، فقد تحدث اليه بأنه متقدم في السن، وأن هذه فرصته الأخيرة لتولي منصب رفيع في الدولة، فيما يحتفظ المستقبل بفرص كثيرة للدكتور برهم صالح. غير أن حديث العاطفة لم يدخل قلب صاحبه، فهذه سلطة ومكاسب ومناصب ولا مجال للتفريط بالفرصة القريبة لبضعة أسابيع، فكيف الحال بأربع سنوات طويلة ثقيلة المرور؟

حصل برهم صالح على دعم أميركي لتولي منصب رئاسة الجمهورية، فزاده ذلك تمسكاً بموقفه، ثم جاءه خبر على لسان الدكتور حسين الشهرستاني بأن مرجعية السيد السيستاني ترغب في توليه منصب الرئيس، وكان ذلك يعني أنه سيجلس قريباً على كرسي الجمهورية، باعتبار أن الكتل الشيعية لن تعارضه بعد دعم السيد السيستاني له.

اللافت هنا أن الشهرستاني الذي أتعب المواطن العراقي بالتصريحات المتتالية ضد إقليم كردستان، هو الذي يحمل بشرى الرئاسة الى برهم صالح خصمه العنيد بخصوص السياسة النفطية، معززاً موقفه في منافسة الدكتور معصوم الرجل اللين والأقرب الى التحالف الشيعي. كما وعده الشهرستاني بأنه سيقف الى جانبه ضد معصوم لتولي رئاسة الجمهورية، وكان ذلك ما تريده السفارة الأميركية. خصومة الإعلام هنا تختلف عن حقيقة المواقف السرية.

بلغ خبر هذا التحرك السيد نوري المالكي، فأجرى اتصالاته لدعم الدكتور معصوم وإبقائه في دائرة المنافسة وعدم التراجع. ونتيجة ذلك صار القرار داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، الى اعتماد التصويت لإختيار مرشحه لرئاسة الجمهورية، وقد ساهم المالكي هنا في إقناع بعض الشخصيات الكردية بالتصويت لمعصوم.

جرى التصويت بين الرجلين ففاز معصوم بفارق ضئيل على منافسه، وبذلك تم طرحه كمرشح القوى الكردية لشغل منصب رئاسة الجمهورية في 23 تموز 2014.

وقف المالكي أمام خيارين دقيقين:

الأول: اعتماد مبدأ الرزمة الواحدة في الاتفاق على الرئاسات الثلاث، كما جرت العادة في التشكيلات السابقة.

الثاني: الاتفاق على كل رئاسة بمعزل عن الأخربين.

وقد أخذ المالكي بالرأي الثاني، في محاولة لوضع البرلمان أمام قيد التوقيتات الدستورية، وبذلك يستطيع أن يمنع المفاوضات من التمدد الزمني.

كان المالكي يستند في خياره الى أن كتلته هي الأكبر، وعليه فلا حاجة الى إضاعة الوقت بالدخول في مفاوضات الرزمة الواحدة، لكن تقديره لم يأخذ في الاعتبار أن تخطيطاً سرياً يجري ضده من قبل شركائه الشيعة.

وفي تلك الأيام كان الحديث عن مفاوضات بين القائمة العراقية بزعامة السيد إياد علاوي وبين التيار الصدري والمجلس الأعلى لتشكيل الكتلة الأكبر، لكن السيد المالكي كان حذراً في هذا المجال، فأبقى المجال مفتوحاً لتشكيل التحالف الوطني، لمنع شركائه الشيعة من الاتجاه نحو القائمة العراقية.

وكان السيد إبراهيم الجعفري يُصر على المالكي بتوقيع وثيقة التحالف، لكن الأخير يرفض ذلك، رغم حضوره في مؤتمرات صحفية مشتركة، فالمالكي كان يعرف أنه لو وقع وثيقة التحالف رسمياً فانه سيخسر قوته في كونه صاحب الكتلة الأكبر دستورياً، وكان المالكي ينتظر انعقاد الجلسة الأولى ليضمن إقرار دولة القانون بانها الكتلة الأكبر، وهذا ما نجح فيه بالفعل. وقد سبق أن نشرت في الحلقة الأولى من هذه السلسلة صورة الكتاب الموقع من قبل رئيس البرلمان بحكم السن الدكتور مهدي الحافظ، وفيه يؤكد أن دولة القانون هي الكتلة الأكبر.

أدركت الكتل السياسية، بأن الطريق باتت سالكة أمام المالكي ليشكل الحكومة وفق السياقات الدستورية، وهنا بدأت عملية الالتفاف لإبعاد المالكي عن السلطة.

في أحد اجتماعات قادة الكتل الشيعية، طرح السيد عمار الحكيم ترشيح الجعفري لرئاسة الحكومة، فواجهه المالكي بالقول أن هذا يخالف الاستحقاق الانتخابي، ولا بد من احترام الصيغ الدستورية في الترشيح. فسكت الحكيم ولاذ بالصمت، لكنه أوقد في نفس الجعفري أملاً كبيراً بإمكانية حصوله على الرئاسة فيما لم جرى إبعاد المالكي.

أدرك المالكي أن الالتفاف عليه بدأ يزداد، فطلب من السيد فؤاد معصوم أن يوجه له كتاب التكليف لكونه مرشح الكتلة الأكبر، فماطل معصوم بأنه يعاني من ضغوط كبيرة، وأنه لا يريد أن يخالف رأي المرجعية الدينية والسفارة الأميركية والجهات السياسية، وعليه لا بد من التريث.

كانت رسالة المرجع الأعلى السيد السيستاني الى قيادة حزب الدعوة باختيار رئيس وزراء جديد، هي النقطة الحاسمة، فقد وضعت المالكي في مكان حرج.

حاول الجنرال قاسم سليماني إقناع السيد محمد رضا السيستاني بأن يُصار الى تكليف المالكي، وأنه سيتنازل بعد ذلك، أو انه سيواجه صعوبة أمام البرلمان فيسقط حقه في تشكيل الحكومة، وفي الحالتين فان رأي المرجعية سيتحقق في تولي شخص جديد رئاسة الوزراء، كما أن الاستحقاق الانتخابي سيمضي طبقاً للدستور، لكن السيد محمد رضا أبدى تحفظه على المقترحين، بأن المالكي بمقدروه ان يشكل الحكومة فيما لو جرى تكليفه.

….

عاد رئيس الجمهورية يكرر على المالكي بأنه سيوجه له كتاب التكليف، لكنه يواجه ضغوطات هائلة من مختلف الأطراف. في نفس الوقت كانت مجموعة من قيادة حزب الدعوة قد شعرت بأن حظوظ المالكي باتت ضعيفة، فقرروا التخلي عن دعم المالكي، واللجوء الى مرشح آخر. وقد كانوا يرون أن الالتزام برأي المرجعية يفرض عليهم ذلك، لكن الذي يلامون عليه، أنهم لم يحيطوا السيد السيستاني علماً بأن ذلك يخالف الدستور، وأن من الأفضل اعتماد مقترح الجنرال سليماني.

في الساعات الأخيرة للمهلة الدستورية، تم تداول عدة أسماء في اجتماع سري لم يعلم به المالكي، حتى استقر الرأي على الدكتور حيدر العبادي، وتم تكليفه من قبل رئيس الجمهورية فؤاد معصوم.

بادر المالكي الى إلقاء خطاب تلفزيوني، واعلن فيه أنه قدم شكوى ضد هذا التكليف الى المحكمة الاتحادية، لكونه يُعد خرقاً دستورياً. وكانت خطوة المالكي مُحرجة جداً لكافة الأطراف، فتدخلت السفارة الأميركية بقوة لتطلب من الهيئة القضائية المختصة بعدم النظر في القضية، وزيادة في الاحتياط، طلبت من عدة قضاة السفر الى أربيل، فسافر خمسة منهم من مجموع التسعة التي تتشكل منها الهيئة.

قدم المالكي مقترحاً الى قيادة حزب الدعوة، بأن يُصار الى تنازل مشترك، بمعنى أن يتنازل هو والعبادي عن الترشح، ويتم اختيار مرشح ثالث. لكن العبادي رفض ذلك، فلقد حصل على منيته وحلم حياته، وعند ذاك تسقط الاعتبارات الأخرى.

بمجرد اعلان الخبر، انطلقت برقيات التهنئة والتبريك والدعم تنهال على العبادي من الولايات المتحدة والدول العربية، تظاهرة تأييد لم تحصل من قبل بهذه السرعة.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *