عراقي لكن بدرجة إرهابي

عراقي لكن بدرجة إرهابي
آخر تحديث:

بقلم:فاروق يوسف

من اليسير في العراق أن تكون موضع شبهات. ذلك تقليد جرى العمل به منذ أن بدأت الأحزاب تتقاتل في ما بينها ويذبح يعضها البعض الآخر تنافسا على السلطة. فالعراقي تحوم حوله الشبهات إلى أن يثبُت ولاؤُه. ولم تكن الدعوة إلى تنشيط الشرطي الداخلي سرية، بل إن الأحزاب كانت تعلن عنها في كل مناسبة “راقب نفسك وراقب الآخرين طبعا”. لذلك كان العراقي محكوما عليه بالخيانة ما دام قد قرر أن يقف بعيدا عن الصراع بين الأحزاب أو ينأى بنفسه عن الرقابة.كان المستقل هو العدو بالنسبة إلى الحزب الحاكم والحزب المعارض على حد سواء وكان شعار “خذ الحذر منه” سائدا بين الرفاق الذين تخلوا عن فكرة المواطنة لحساب أن يكونوا حزبيين خالصين. فالبعثي هو بعثي قبل أن يكون عراقيا والشيوعي كذلك. أما أعضاء حزب الدعوة فإنهم لم يكونوا أصلا يعترفون بالعراق ولا بشرعية المواطنة العراقية.لا يصدقك أحد في العراق لو أخبرته بأنك لم تكن بعثيا حين تدافع عن العراق دولة مستقلة في مواجهة الاحتلالين الأميركي والإيراني.

أما حين تقاوم فكرة تطبيع الاحتلال وكل ما نتج عنه فإنك تدعو إلى عودة البعث بالرغم من أنك قد غادرت العراق احتجاجا على سياسيات النظام الحاكم الذي كان حزب البعث يقوده. لذلك كان العراقيون على استعداد لتصديق أن كل مَن يقف ضد العملية الديمقراطية التي أسقطتها الولايات المتحدة على العراق بالمظلات هو بعثي، صدامي، قاعدي وداعشي ومن ثم إرهابي.كان هناك عبث في العقل العراقي قد جرى قبل أن تقع كارثة الاحتلال وقبل أن يسلّم الأميركان السلطة للمنتقمين من أتباع إيران. فالعدوانية المحلية قد طبعت الشخصية العراقية التي كانت تدافع عن نفسها من خلال اتّهام الآخرين أو الصمت عن اتهامهم باعتبارهم أعداء للحزب والثورة.

لم يكن الشعب يعيش في حالة رضا أو صلح مع النفس بحيث يكون قادرا على التمييز بين الصالح والطالح. بين الذنب الحقيقي والذنب الزائف. كل مَن كان يختفي يُنسى في ظل خوف جماعي من أن يكون قد فعل شيئا مخالفا للقانون في ظل اليقين المؤكد أن لا قانون يحكم البلد. ولم يكن هناك مَن يحاسب الأجهزة الأمنية على ما تفعل. فسلطة القضاء كانت ولا تزال نائمة.كيف يمكننا التأكد من حقيقة ما جرى من وقائع والجميع يرفض الاعتراف بحقيقة أن الشعب العراقي ساهم بطريقة أو بأخرى في تدمير حريته راضيا بما هو عليه من قناعات، الجزء الأكبر منها ينتمي إلى عالم الكراهية؟سيُقال مجازا إنه شعب طيب ولكنه دمر نفسه بنفسه. إنه شعب انتحاري. في سنوات التفجيرات الإرهابية تتصل بأهلك في بغداد في محاولة للاطمئنان فيقولون لك “نحن بخير. وما تسمعونه من الإعلام الدولي هو نوع من المبالغة والتضليل. إنها مؤامرة”، في الوقت الذي تقول فيه التقارير الإخبارية المحايدة إن هناك خمسين قتيلا سقطوا بسبب عملية انتحارية. لم يمت أهلك، بل مات جيرانهم لذلك فإن كل شيء تمام وعليك ألاّ تصدق الأخبار.

لطالما تمنّى العراقيون ألا يلتفت الإعلام الدولي إليهم. يدير ظهره لهم. يتركهم في حالهم. فالحفلة محلية وهي تُدار بين أفراد العائلة الذين يذبح بعضهم بعضا. كل الجيران متهمون بالتحريض على العنف داخل العراق باستثناء الجارة الرقيقة إيران. لا يصدق العراقيون أن إيران بريئة غير أنهم لا يتخلّون عن شكوكهم المريضة في أن تكون السعودية أو دولة الإمارات لهما يد في ما يحصل له بالرغم من أن الدولتين لا تملكان ميليشيات تنشط على أراضيهم. إيران هي الدولة الوحيدة المسؤولة عن العنف والإرهاب.علينا أن نعترف أن العقدة كانت ولا تزال عراقية.

اليوم إذ تُقام مسابقة كأس الخليج بنسختها الـ25 في البصرة فإن العراقيين أطلقوا العنان لخيالهم المحلق في الحديث عن بوابة الانفتاح على العالم العربي متناسين أن البصرة نفسها تُدار من قبل الميليشيات الإيرانية التي تشرف على سرقة النفط في الوقت الذي تعاني فيه المدينة من انهيار بنيتها التحتية وفقر مواطنيها وبطالة شبابها.حين تنتهي المسابقة يُغلق صندوق الأكاذيب وتُطوى صفحة التهريج ولا يلتفت أحد إلى ما قيل فليس هناك أحد يسأل آخر عمّا قاله. فالعراقيون يقولون ما يعجبهم ويجب على العالم أن يصدقهم. وإن لم يصدق فإنه ضليع في المؤامرة الكونية التي تستهدف العراق، بلد الحضارات.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *