انتخاب رئيس للجمهورية انتصار لقوى المحاصصة وليس للشعب العراقي
آخر تحديث:
بقلم:زكي رضا
بعد عام من المدّ والمدّ جاء الجزر السياسي بوصول قاطرة المحاصصة إلى الخضراء، هذه القاطرة التي تحمل رئيس جمهورية بقياسات قوى المعسكر الإيراني، وبالتالي فإنّ الأوضاع السياسيّة والاقتصادية والاجتماعية وما يتعلّق بها أو يترشّح عنها ستبقى كما هي. فالأزمات التي رافقت ما تسمّى بالعملية الديمقراطية ستبقى ثوابت غير قابلة للاختراق، خصوصا بغياب أيّ صوت معارض ولو شكليا في ما يسمّى بمجلس الشعب، ومنهم الصدريون الذين سهلّوا وصول القاطرة إلى الخضراء بمنحهم أصوات مئات الآلاف من ناخبيهم إلى الأحزاب والميليشيات الولائيّة.
انتخاب رئيس للجمهورية هو المتر الأخير للوصول إلى منصب رئاسة الوزراء، وبانتخاب عديل الرئيس السابق جلال طالباني أي عبداللطيف رشيد لمنصب رئيس الجمهورية، فإنّ انتخاب رئيس للوزراء من قوى الإطار الشيعي الممثّل الشرعي لوليّ الفقيه في بغداد قد حُسم أمره. فالرئيس الجديد كلّف محمد شياع السوداني الذي استقال من حزب الدعوة كمناورة سياسية من الحزب ليكون رئيسا للوزراء ورفضه الشارع العراقي أثناء انتفاضة تشرين، لا يستطيع طرح برنامج حكومي دون موافقة القوى التي طرحته كمرشح لرئاسة الوزراء. وهذا يعني عودة الأوضاع السياسيّة والاقتصادية في البلاد إلى المربّع الصفر، لأنّ ما أعلنه السوداني في بيانه من أنّه سيعمل من ساعة تكليفه الأولى وفق برنامج حكومي يتبنى إصلاحات سياسية، وتعهدّه بمحاربة الفساد، وسعيه لإجراء انتخابات في أجواء حرّة ونزيهة في ظل نظام انتخابي شفّاف مثلما صرّح، والعمل على ملفّات الفقر والخدمات والتضخّم والبطالة وتحسين الواقع الصحي والتعليمي، هو نفس ما أعلنه جميع الذين سبقوه دون أن يرى شعبنا منه شيئا لليوم.
هل حقّق الشعب العراقي منذ أوّل انتخابات شارك فيها إلى اليوم، انتصارا؟ سؤال يطرح نفسه ويجيب عليه الواقع الذي نعيشه كشعب ممزّق الهويّة ووطن بلا سيادة ولا كرامة. فالحرب الطائفيّة التي خضناها بإرادة فولاذيّة كانت هزيمة نكراء أبطالها قوى المحاصصة التي تتحصّن بالخضراء وليست انتصارا لشعبنا، بل لم تكن نصرا حتّى للإسلام الذي يرفع ممثلوه في الخضراء راياته، ونقل الصراع الكردي من صراع بين الكرد والأنظمة المركزية إلى صراع بين العرب والكرد على مستوى الشارع، ليس بانتصار بل هزيمة للمواطنة. واستمرار نهج المحاصصة الذي وصل أخيرا إلى حمل السلاح وقصف كعبة المحاصصة بالصواريخ ليس انتصارا للديمقراطية، بل هزيمة ساحقة لها. وبالتالي فإنّ أيّ نصر تحققه قوى المحاصصة، هو في الحقيقة هزيمة لشعبنا ووطننا.
ما أن حسم الخضراويون منصب رئاسة الجمهورية لصالحهم، حتّى خرج علينا بافل طالباني وريث الراحل جلال طالباني في زعامة الاتحاد الوطني الكردستاني، بتصريح يحمل نصف الحقيقة. ففي خبر نشرته عدد من وسائل الإعلام، صرّح ولي عهد الاتحاد الوطني الكردستاني السابق وزعيمه اليوم من أنّ: انتخاب رشيد رئيسا للجمهورية كان انتصارا لإرادة الشعب والاتحاد الوطني.
بلا شك فمن خلال الصراع التاريخي بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني، وتقاسم مناطق النفوذ والمراكز السياسية والعسكرية في الإقليم والمركز، والعلاقات الممّيزة بين الاتحاد وطهران، فإنّ انتخاب السيد رشيد لمنصب رئاسة الجمهورية هو انتصار للاتحاد الوطني ومعه الإطار الشيعي والسفارة الإيرانية ببغداد. لكن أن يكون انتخاب عبداللطيف رشيد نصرا للشعب هذا إن كان بافل كان يعني الشعب العراقي، فنتائج الانتخابات وعدم تشكيل الحكومة بعد تجاوز الفترة الدستورية لتشكيلها ما يعني تجاوزا على الدستور، ليس بنصر أبدا. أمّا إن كان طالباني يعني بالشعب في تصريحه على أنّه الشعب الكردي فهذا هو الآخر بعيد عن الحقيقة، كون انتخاب رشيد هو انتصار للشعب في السليمانية وليس في كل أرجاء كردستان.
النصر يبدأ حينما نقبر المحاصصة ونبدأ ببناء نظام علماني ديمقراطي على أنقاضه، فمنذ الاحتلال إلى اليوم لا نعرف أيها السيد بافل كشعب عراقي بكل قومياته وأطيافه إلّا الهزائم، وحزبكم كما الأحزاب المتحاصصة المهيمنة على السلطة تتحمل نسبة من الهزائم بما يعادل نسبته في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبمعنى آخر يعادل ما نهبتموه من ثروات شعبنا ومنهم طبعا شعبنا الكردي.