الحلبوسي.. نيزك شيعي أم ساعة رملية للزعامة السُّنية
آخر تحديث:
بقلم:مسار عبد المحسن راضي
يقترب نيزك الحظ السياسي للرئيس النيابي العراقي محمد الحلبوسي من الاحتراق في الغلاف السياسي الشيعي. الأرجح أنَّ بدء احتراقه لن ينتظر أكتوبر القادم، موعد انتخابات مجالس المحافظات، والتي سيُرينا تحميضُ نتائِجها نتائج الانتخابات النيابية المزمع انطلاقُها في ديسمبر 2023.الرئيس الحلبوسي وجميع الشخصيات السياسيَّة في غرب العراق، حرِصوا ومازالوا على امتلاكِ قوامٍ نيزكي صالح للاحتراق السريع، لأنهم اختاروا لَعِب دور “مقاول أنفار سياسي لتجهيز البيت الشيعي بعمالة سُّنية”.شرحُ هذا الدور؛ الذي وضعتهُ بين علامتيْ تنصيص، كان مُفردات سؤال وجَّهتُه قبل سنين إلى حيدر الملا لمعرفة دوافع صالح المطلك، رئيس جبهة الحوار الوطني، لتأدية هذا الدور.أصبح من المهم أن نُفسِّر سِّر الحماسة الوطنيَّة لاجتثاث الرئيس النيابي بواسطة مشرط “الإطار التنسيقي” من عمليةٍ سياسيَّة، قلبُها أميركي وحنانُها إيراني!
مفهوم الزعامة السُّنية هجر مناطق العراق الغربيَّة بعد الجفاف النهائي لحظوظ أسامة النجيفي، الرئيس البرلماني الأسبق سنة 2014، وقبل مدَّة بسيطة من احتلال “داعش” للموصل. لم يستطع شقيقهُ أثيل النجيفي والذي كان محافظاً للموصل، آنذاك، أن يصمد أمام الطواحن الشيعيَّة التي تملأ فم النظام السياسي في بغداد، رغم تمتُّعِه بمزايا أفضل من شقيقه الأكبر.الفراغُ النُجيفي وتصفية الصحوات التي أنهت تنظيم القاعدة واحتلال “داعش” والكاريزما الخافِتة للرئيس النيابي السابق سليم الجبوري وانتشار الميليشيات الإيرانية، ساعدت اللاعب الشيعي على استخدام لوح الشطرنج السُّني بالمجَّان.الزعامات السياسيَّة، في عراق ما بعد 2003، دائماً ما كانت ترتدي ثياباً وطنيَّة قصيرة وتُربّي ذقناً طائفياً وعرقيَّاً، لكنها احتاجت وما تزال إلى العراقيين السُّنة كقطعة قماشٍ إقليميَّة وماكينةِ حلاقةٍ دوليَّة، حيثُ الزعامة داخل هذا المكوَّن عموماً، وكما أثبتت وقائع السنين الماضيَّة، لا تتماشى مع احتياجات السوق الأمني والسياسي في المنطقة والعالم.
بعد انسحاب القسم الأكبر من جيش الاحتلال الأميركي سنة 2011، واستهداف نائب رئيس الجمهورية الأسبق طارق الهاشمي، أصبحت هذه الزعامة زئبقاً في المحرار الشيعي لاستعراض انخفاض درجة حرارة الطائفيَّة في العراق أمام أنظار العالم. نجح نوري المالكي رئيس الحكومة الأسبق (2006 – 2014) بإقناع العالم ولفترةٍ من الزمن بأنَّ الزئبق السياسي السُّني لا يتمدد في المحرار الشيعي بسبب الطائفيَّة ولكن بسبب الإرهاب. هكذا سُكَّ مصطلح “سُّنة المالكي”.المُفارقة أنَّ معظم السياسيين السُّنة بدأوا منذُ 2011 فصاعداً بتقليص ثيابِهم الوطنيَّة، وتوسيع أكمامها الطائفيَّة للمنافع الشخصيَّة، ولكن لصالح المزيدٍ من النفوذ الشيعي. بعد 2014 شاهدنا بزوغاً ساطِعاً لأطفال أنابيب الفراغ النُجيفي في الفضاء السُّني، مثل خميس الخنجر ومشعان الجبوري وأحمد الجبوري وجمال الكربولي الذي ولِد الرئيس محمد الحلبوسي تحت عباءته، وغيرهم.
أصبحت شخصيات الفراغ هذه مجرَّد تمديدات شيعيَّة في مناطق العراق الغربيَّة. أنعم البيت الشيعي عليهم بوسامين، الأول وسام حصانة ممارسة الفساد، والثاني انفصالهم التام عن واقع تلك المناطق. استطاعت مكوِّنات البيت الشيعي بواسطة أنابيب الفراغ النُجيفي أن تُجري إعادة تقييم لأوزانها بعد أن أصبحت لها القُدرة على اللعب السياسي في مناطق العراق الغربيَّة.الشحم السُّني الجديد في المَعِدَة الشيعيَّة لم يُنتِج عَضَلاً وطنيَّاً، بل تمدُّدَاً إيرانيَّاً في العراق عن طريق الميليشيات لإحكام السيطرة على الواقع السوري، وتهديد الدول العربية الوازِنة في المنطقة. إذاً، الزعامة السُّنية في هذا المشهد مُضرَّة.
عدم وجود جينات الزعامة في أطفال أنابيب الفراغ النُجيفي عنى مزيداً من ثروة النفوذ للزعامات الشيعيَّة في تبادُلاتِها وأجنداتِها مع طهران وواشنطن والمنطقة العربية، وحتى داخل بيت المكوِّن الأكبر.مشكلة الرئيس الحلبوسي أنَّهُ قام بمحظورين شيعيين. الأول أنَّهُ استفاد وبنجاح من التكالب الشيعي على الثروات السياسيَّة للزعامات السُّنية، لكي يزيد حظوظ زعامته في مناطق العراق الغربيَّة. المحظور الآخر أنُّه وفي تحالفِه الثُلاثي السابق مع التيار الصدري والديمقراطي الكردستاني، كان سيقوم بسابقة الانتشار الحزبي في مناطق خارج الجغرافيا السُّنية وداخل جغرافيا المكوِّن الأكبر.لا نستطيع بالطبع أن نعتبر أياد علاوي هو السابقة. علاوي وبحسب الوقائع كان مجرَّد “سايلو” للتجميع الوطني، في بلدٍ أُصيبت فيه جميع سلاسل التوريد السياسيَّة بالطائفيَّة. لهذا أيضاً اُستُهدِفت جميع المكاتب الحزبيَّة لهذا السايلو في محافظات العراق الجنوبيَّة، وخُتِمت بالدم والرِصاص.
الرئيس النيابي إذاً، وبحسب هذه الصورة، يبقى شريكاً ضرورياً لجميع قوى “الإطار التنسيقي”، بعد تقليم أظافر تجربة التحالف الثُلاثي من أصابعه السياسيَّة، ولواشنطن أيضاً الراغبة بضبط الإيقاع الأمني في العراق. فلماذا إذاً هذه الرغبة المُلِحة بإحراقه؟أطفال أنابيب الفراغ النُجيفي يجِدون الرئيس الحلبوسي شقيقاً ناكِراً للجميل. لكن الحقيقة أنَّهُ وبعد أن ابتلع أوزانهم السياسيَّة الداخليَّة والخارجيَّة، سيكون شاهِد قبرٍ لحظوظهم في إعادة الترتيب الجارية الآن للعمليَّة السياسيَّة، إذ استطاع الحلبوسي أن يستعيض عنهم بتمديداتٍ عشائرية نُخبوية من النوع التكنوقراطي، وشبابية في غرب العراق. كما أن وزنه الإقليمي والدولي يبدو مبنياً على الحسابات البراغماتية لا على الشعارات. ينطبِقُ ذلك أيضاً على تعاملاته الداخليَّة مع المكوِّن الأكبر.
نستطيع بذلك أن نفهم تصريح مشعان الجبوري في الأيام الماضيَّة وكان مفادُه أنَّ السياسيين السُّنة، مستعدون للتنازل عن كُل شيء يخصُّ جماهيرهم، مقابل التسريع بحرق الحلبوسي بالبنزين الشيعي وتحت يافطة عدم إجبار الحكومة والثقة برئيسها محمد شياع السوداني.البيت الشيعي وحرسه الميليشياوي يتصارعان اليوم أيضاً على الثروات السياسيَّة للزعامات السُّنية. في مشهد الصراع هذا بين القاطنين والحُرَّاس يبدو الحلبوسي وبسبب البراغماتية الهادئة التي لا تعتمِد كثيراً على طُرق الميديا، رابحاً من كُلِّ رابحٍ وخاسرٍ شيعي.
الحُرَّاس وجدوا أنَّ من الأفضل إبداله. البديل الوحيد الظاهر اليوم هو مثنّى السامرائي الذي يمتلِكُ وجهاً سُّنيَّاً مليئاً بتجاعيد ميليشيا عصائب أهل الحق. يحاول السامرائي تقليل هذه التجاعيد بحُقن “بوتاكس” سياسيَّة مأخوذة من وجوه النُجيفي وسليم الجبوري وجمال الكربولي، وكُل من نُبِذ من بيت أبي سفيان الشيعي في السنوات السابقة.نوري المالكي، الصانع القديم، لا يُعرِقل حراك السامرائي، فالسُّفرة السياسيَّة السُّنية تكفي جميع الجالسين على المائدة الشيعيَّة. هو يعلم أن إعادة ترتيب العملية السياسيَّة تحتاجُ زعامةً سُّنية قوية لكنها غير مُبهِرة شيعيَّاً، أو من الممكن أكلُ تمرِها فيما بعد. وعليه هو ما زال يُراقب، وهو الرجل الذي لا أعداء لديه ولا أصدقاء في السياسة، سواء داخل بيته المذهبي أو خارجه.
الأكيد أنَّ الميليشيات الإيرانيَّة الموجودة في “الإطار التنسيقي” لم تعُد تُريد الحلبوسي، لأنَّه شبَّ عن الطوق. لكن اللاعبين الشيعة الكِبار مثل المالكي، وأُضيف إليه أمين عام تيار الحكمة عمار الحكيم (المتأرجح بين الأوزان المتوسطة والثقيلة)، يعلمون وكما صرَّح الأخير وبشكلٍ واضح في كلمته خلال افتتاح متحف مصطفى بارزاني، بأن العراق سياسيَّاً ما زال مِلكاً للشيعة والأكراد وباقي المكوِّنات العراقيَّة الكريمة! الترجمة، أنَّ جميع المكوِّنات العراقيَّة كريمة، ما دامت تستطيع إنتاج أطفال أنابيب لصالح ملوك العمليَّة السياسية. أمَّا العراقيون “السُّنة” فإنَّ مستقبلهم مُسيطر عليه الآن من قبل حامليْ قناني النفوذ “الشيعي” مثل خميس الخنجر ومثنى السامرائي، والتي يروِّجُ مفاتِنها أشخاصٌ مثل مشعان الجبوري؛ بالدَّقِ عليها لنسمع صوت بيب.. بيب.