ابتداءا انا مؤيد وداعم لكل الخطوات والاجراءات والقرارات التي تثبت سيادة القانون وحسن تنفيذ خطواته بشكل سليم وقويم سيما في بلد يعيش ظواهر ومظاهر الفوضى الخلاقة وغير الخلاقة منذ احتلاله في نيسان 2003،بما في ذلك الاحكام التي صدرت وتصدر من المحاكم المختصة كل حسب مواصفاتها وصلاحياتها المنظمة بقوانين وتشريعات ملزمة،شريطة عدم تسيس او استغلال هذه المحاكم او مايصدر عنها من قرارات لمصلحة هذا الطرف او ذاك لاغراض فئوية خاصة. فيما يتعلق بالقرارات التي اتخذتها المحكمة الاتحادية بأنهاء عضوية رئيس البرلمان محمد الحلبوسي والنائب ليث الدليمي،اعتبرها خطوة ممتازة فيما لو انسحبت مثل هذه القرارات لتشمل كل الحالات المشابهة،للسياسيين الذين ثبتت عليهم جرائم يندى لها الجبين سياسيا واخلاقيا وماليا وووو،الا ان المحكمة الاتحادية وغيرها من محاكم الاختصاص،كانت تدير ظهرها عنهم،وحقيقة انا لايهمني الحلبوسي او غيره ولدي تحفظات على طريقة ترشيحه ووصوله الى رئاسة البرلمان خصوصا ماقاله الفوضوي مشعان الجبوري من ان ابنه يزن هو من اخذه ليقدم الطاعة والولاء لقاسم سليماني (المفروض يحاكم مشعان وابنه وعلى هذه الجريمة ان صدق فيما ذكره مشعان)،واتمنى لو ان العراق يتخلص من جميع الطبقة السياسية بدون استثناء لما خلفوه وتسببوا فيه من كوارث مست العراق واهله بالسوء واوصلته الى حافات الفشل والتخلف سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلميا وثقافيا ووووو الخ،وكنا نتطلع لو ان القضاء يأخذ دوره المطلوب في هذا الانجاز العظيم ان تحقق،ولكن واقع حال القضاء على مايبدو لايسمن من جوع ولا يروي من عطش وكان الله بعون القضاة الشرفاء وما يعانوه من تحديات وضغوط نتيجة تسلط الطبقة السياسية وتدخلها غير المبرر بعمل القضاء وقراراته!
الواضح ان العملية السياسية في العراق المعوقة اصلا تتجه نحو مزيد من التعقيد والأزمات السياسية المرتقبة، سيما بعد اعلان القرار بحق الحلبوسي الذي اعتبره كثيرون بأنه شكّل صدمة مزعجة زعزع تحالف إدارة الدولة وربما سيكون بمثابة رصاصة الرحمه له، كونه هز الثقة بين أطرافه، وسيوسع شق الخلافات بينهم، وسيزيد من فرص التدخل الخارجي في الشأن العراقي حيث ينظر اليه البعض على أنه استهداف سياسي لقيادة لها ثقلها الشعبي والدستوري ،وهذا سيخلق مشكلة وخيمة العواقب على انتخابات مجالس المحافظات القادمة (المشكوك اصلا بإجراؤها )في 18 /كانون الأول المقبل، إذا لم تُتدارك تبعاتها بسرعة.
لقد تباينت الاراء من قبل الكتل السياسية ،كل ينظر الى القرار من زوايا مصلحته الفئوية بعيدا عن النظرة الموضوعية التي يمكن ان تصب لمصلحة العراق وشعبه اللذان وكما هو واضح لا احد يضعهما في صلب اهتماماته …ففي الوقت الذي فند فيه المتضررين من هذا القرار بأعتباره قرارا سياسيا بأمتياز وبدون لبس تقف وراؤه الجماعات المنضوية تحت تحالف الاطار وإن قرار إنهاء عضوية الدليمي والحلبوسي غريب وجاء قبل وقت قصير من احتمالية إجراء انتخابات مجالس المحافظات، وبوقت تشير فيه استطلاعات الرأي والاحتمالات إمكانية أن يحصد حزب تقدم عددا كبيرا من المقاعد في بغداد، خاصة بعد مقاطعة التيار الصدري لها في المقابل، وان هذا القرار في هذا التوقيت سيؤثر بشكل كبير ، ويصبّ في خدمة الأحزاب المنافسة لحزب تقدم في بغداد وباقي المحافظات، كما أن ما حدث سيؤثر على إعادة تشكيل خارطة الاصطفافات والتحالفات البرلمانية والسياسية، وقد يحدث تحولات في الساحة السياسية في المحافظات الغربية خاصة.
الواضح أن الأنظار تتجه نحو الخطوة التالية والمنافسة على الظفر بمقعد رئاسة مجلس النواب وهو المنصب السيادي في اطار المحاصصة سيئة الصيت والمحتوى من حصة العرب (السنة)، لا شك ستحدث خلال المرحلة المقبلة تحولات في المشهد السياسي بشكل عام وربما ستبرز وجوه أخرى في الصفوف المتقدمة، لكن هناك شكوك في انها يمكن ان تسهم في تعزيز الدور والحضور الوطني الإيجابي بعيدا عن التخندقات الطائفية وتغليب خيارات التنافس الوطني، بما يخدم وحدة العراقيين ومصالحهم العليا المشتركة في التنمية والاستقرار والأمن وضمان مشاركة كافة المكونات وتوازنها في بلد محتل يدعي المسيطرون على مقدراته كذبا انه بلد ديمقراطي.
ان الرموز والتراث الوطني والثقافي العراقي لا تعني لأصحاب المشروع الأسود شيئا لان رؤيتهم العدمية للعراق لا تختلف عن رؤيتهم العدمية للقانون والديمقراطية. فهم يأخذون البنود والجزئيات التي تخدم سياستهم وينتهكون الجوهر، فالديمقراطية المعوقة الفاشلة هي التي أوصلتهم للسلطة رغم ان جوهر مفهوم الديمقراطية تنص على احترام المصالح الوطنية للشعب وعدم المقامرة بها كما حدث معهم عندما حاولوا تغيير قواعد اللعبة السياسية في ظل افتقادهم لأبسط مقومات التغيير. والديمقراطية تنص على تبادل السلطة سلميا والحفاظ على السلم الأهلي وحل الخلافات بالطرق السلمية كالحوار والاحتكام للشعب وإشراكه في ممارسة الضغط على كل من ينتهك المصلحة الوطنية، وتنص أيضا على التعدد السياسي والثقافي والديني وعلى حق الجميع في ممارسة حقهم في التعبير عن مواقفهم بحرية في إطار القانون. كل هذه البنود وضعوها خلف ظهرهم وتخندقوا عند بند واحد هو الفوز بعيدا عن صناديق الانتخاب، بل لقد قامت المليشيات المسلحة خاصتهم بانقلاب ضد الدولة التي احتوتهم في مؤسساتها. وكان ألاعضاء الذين فازوا بالانتخابات ينًظرون للانقلاب الاسود الذي مكن الخاسرين بدون سند أو معيار محدد، أن يحسموا السيطرة على مجلس النواب ويشكلوا الحكومة التي لم تحترم تعهداتها للشركاء فأحدثوا الانقسام ودمروا الوحدة، بصيغة فرض إملاءات علما ان هناك اعتقاد لدى طيف واسع من العراقيين ان احد اسباب الخطوة التي اتخذتها المحكمة الاتحادية ضد الحلبوسي يتعلق بمطالبته الملحة لجماعات الاطار بتنفيذ الخطوات التي اتفق عليها قبل تشكيل الحكومة ومنها انهاء عمل المسائلة والعدالة واطلاق سرح المعتقلين بدون اسس قانونية وووو.