حساب الذائقة في الصورة الفوتوغرافيَّة القديمة

حساب الذائقة في الصورة الفوتوغرافيَّة القديمة
آخر تحديث:

خضير الزيدي 

يحسب للصورة الفوتوغرافيَّة أنَّها غير قابلة للتأويل تمتلك مساحتها البصريَّة بينما عمقها يشتدُّ في إيضاح معنى ما تريد أن تقوله، لا يوجد غير الحقيقة في متنها فهي تحمل المكان والزمان في بعد حقيقي، وكشف رمزي وقبل كل ذلك موجودة في مخيلتنا ووعينا ومحاولة الربط بينها وبين الفنون الأخرى سيبوء بالفشل فالفن الفوتوغرافي له ثوابته وصحة اتجاهه ويؤدي في محاولاته البصريَّة ما يعجز الرسم عن تحقيقه لنا، لهذا قال رولان بارت ذات يوم نحن نحيا حياة الصورة، ولكن كيف اذا كانت تلك الصورة من وقائع الزمن القديم فما الذي تفرضه علينا من حساسيَّة ورؤية بصريَّة وكيف نتأمّل الصور القديمة التي تظهر لنا في عوالم الميديا يوما بعد يوم فكلُّ الأعمال التي نراها، تتحدث بصريَّاً عن بيئة اجتماعيّة ومكان يجسّد صرخات الإنسان.. في الفوتوغراف مثاليَّة لمواضيع مهمّة كتلك التي تعيدنا إلى شكل اللباس التقليدي ونظافة المدن ورقي المجتمعات إبّان الخمسينيات من القرن المنصرم، وما يترشّح أمامنا من انتقائيَّة لبعض الأعمال يجعلنا في حسرةٍ وشوقٍ وتمنٍّ، لأنَّ الصورة تظهر قدراً من الألفة المكانيَّة، وهي بهذا تحقق محاولة لتمثيل مفاهيم اجتماعيَّة، وقد يقدر للذائقة التي يحملها الفوتوغرافي في تلك المرحلة أن تنفتح على إبراز آثار اجتماعية ذات طابع خاص مثل التي نراها في التقاليد اليوميَّة والحياتيَّة لبعض المكونات في العراق. وممارسة الفوتوغراف لا يقدر بالذائقة التي تتركها الصورة في انطباعنا، بل بما تعنيه جمالية اللقطة في النهاية وأجمل ما في هذا الفن أنَّه اليوم متاح للجميع، لكن البحث في الصورة القديمة واختيار تفاصيلها ولمساتها أمر متروك لقدرة فنان لم يعد يشاركنا الحياة لكن آثاره الجماليَّة والفنيَّة حققت شعوراً جميلاً حيال ما عمل عليه من فنٍّ كتب له أن يبقى حيَّاً بيننا. ما الذي تعنيه الصورة القديمة؟

تبيّن الصورة القديمة أثراً حياً أو زائلاً والحاجة إليها تكشف مزيداً من الشعور حيال (زمانها ومكانها)، إنّها تأخذ بأيدينا لحقائق حسية وبصرية، فهي لا تفسر غيبيات المكان القديم، مثلا بقدر ما توضح محاولات تخطي زمن لا يمكن استعادته، لكننا نجاريه بمخيلة وحقيقة ذهنيّة ولعل هذا التصور كفيل أن يحيي في مسار وعيننا وهواجسنا انتماء للمكان/ الأرض/ الحياة اليوميَّة/ والاستدلال على أهمية الصورة القديمة سيمكث في شعورنا ونزعة حنيننا ليكون الأمر في النهاية مظهراً من مظاهر الاغتراب الروحي، بمعنى أن كل ماديات المكان شكلت سلطة معينة عبر التقاط تلك الصورة القديمة، وما تمتلكه من مؤهلات حسيَّة وبصريَّة. 

شعور المرء وهو يتأمّل صوراً قديمة كفيل بأن يستعير من الآخر نزعته المثاليَّة في العيش مع مجتمع مليء بالمتناقضات ويحسب للصورة الفوتوغرافية أنّها تؤثر فينا ضمن حمولاتها الموضوعيَّة ولو عدنا لطروحات رولان بارت حيال الفن الفوتوغرافي سنتوقف عند تحليلاته في ما سمَّاهُ (الدلالة الاشاريَّة/ والدلالة الايحائيَّة) تكمن الأولى في ما تعنيه الصورة ككيانٍ بذاتها وهي الأشدُّ وضوحاً في المعنى والدلالة، أما الثانية فهي المركبة بين أكثر من علاقة بين الاشارة والموضوع والآخر المفسر والتي تخضع لتقنيات الكاميرا لكننا في الواقع يعنينا موضوعها مثلما تعنينا لمساتها الجماليَّة. في الحقيقة نحن ننظر للصورة كوثيقة ورسالة مرئيَّة لكننا سنقف عاجزين لو تمت مقارنتها بين فنان وآخر إلا بما تمثله كل صورة من فكرة، وهذا يصعب علينا لعدم الاحاطة بكل الأعمال القديمة وهنا سيكون للنقد والتحليل دوره في كشف أدق تفاصيل الاختلاف سواء في الأسلوب أو الطرح الموضوعي الذي تبنّاهُ الفنان الفوتوغرافي. أهم ما تعنيه الصورة القديمة أنَّها تحمل في صيغتها وبنائها الفني حكاية أو قصة ربما لا يمكن إعادة تصويرها، لكن يمكن الحديث عنها وعن مكان وقوعها وزمانها وستسمح الذائقة لتصوراتنا الذهنيَّة أن تستدرج حقلاً تخيلياً من الأعمال ثم سرعان ما تلبث العين أن تقف مندهشة أمام قدم الصورة وحكاياتها وستلهب حماسنا وتثير شعوراً مغموراً بالحنين لزمنٍ فقدناه.

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *