عيد الوطن المنهوب والسيادة التائِهة

عيد الوطن المنهوب والسيادة التائِهة
آخر تحديث:

بقلم:سمير داود حنوش

لم يُميّز هذا اليوم الاستثنائي عند العراقيين سوى العُطلة الرسمية التي منحتها الحكومة للشعب ليستريح من عناء الازدحامات وقطع الطُرق التي سببتها التظاهرات التي انطلقت في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول.هو يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول عام 1932 الذي قرر العراق أن يحتفي به يوماً وطنياً لذكرى انضمامه إلى عُصبة الأمم المتحدة بوصفه بلداً مُستقلاً صاحب سيادة.لم يشعر العراقيون بالفرح والبهجة والاحتفالات التي تطغى في كل الدول والأقاصي وهي تحتفل بذكرى استقلالها، بل غابتْ عن أكثر العراقيين أسباب تسمية هذا اليوم بالتحديد يوماً وطنياً وهم الذين اعتادوا قبل أحداث عام 2003 على تسمية يومهم الوطني في ذكرى انقلاب 17 يوليو/تموز 1968 عندما أُطيح بنظام حُكم الرئيس عبدالرحمن عارف وتولى السُلطة حزب البعث بقيادة أحمد حسن البكر ونائبه صدام حسين.

يوم عادي كالسابقات واللاحقات يُحذف من رُزنامة العراقيين المليئة بالأحزان والفوضى، يُؤكد أن احتفالهم بالعيد الوطني ربما لم يَحن أوانه أو أنه سابقٌ لموعده في بلد مُنتهك الإرادة تتقاذفه أمواج السيادة التائِهة بين دهاليز السفارات وبيادق الأحزاب والكُتل التي تُحركّها خيوط اللاعبين من الخارج ودول الجوار التي تنتهك حُرمة أراضيه وتقتل شعبه بالصواريخ ومُسيراتهم بِكُل ذلك البرود والاطمئنان، كما يقول المَثل العراقي “مِثل حايط نصيّص”.يومٌ وطني لا يعرفه أكثر العراقيين أو حتى مُناسبة ذِكراه سوى استراحة في بيوتهم من هموم طُرقِهم المُقطّعة الأوصال وشوارعهم المليئة بالصبّات الكونكريتية التي تزيد من مُعاناتهم وهم يتوجّهون إلى مقرات أعمالهم أو حتى منح عُقولهم استراحة وقتية عن التفكير لِما قد يحدث في الأيام القادمة.

لم تتبادل الدولة أية رسائل تهنئة بهذه الذِكرى مع نظيراتها من الدول الأخرى أو حتى ذلك الاحتفال البسيط الذي يوحي بأهمية هذه المُناسبة لدى السُلطة في اعتراف ضِمني بأن موعد الاستقلال الحقيقي غائب عن الوجود.في كُل الدول التي تحتفي باستقلالها تُقام الاحتفالات ومباهج النصر إيذاناً بهذا اليوم الاستثنائي، إلّا في بلد يُسمى العراق حيث اختفت تلك المظاهر حتى من وسائل الإعلام المحلية.تاريخ أو مُناسبة تم التقاطها من ذكريات زمن محذوف أو تزويقها للإعلان بأنها مُناسبة وطنية تُسجّل للعراقيين في ذكريات تسلسل أيامهم الوطنية الغائبة، لكن ذاكرتهم التي صدئت لم تعد تستوعب حتى عناوين الفرحة ومُناسبات الاحتفالات بعد أن حاولت السُلطة أن تُقنعهم بأنه يوم وطني على أمل أن ترى الابتسامة والفرحة في وجوههم الحزينة، لكن الغرابة أن وجوه العراقيين اعتادت الأحزان وأيامهم المُظلمة الطويلة في انتظار الفرج دون أن يُفرحهم أي احتفال من حيث أن واقعهم البائس الذي خلقوه لهم جعلهم ينسون حتى مواسم الضحك.

هو اليوم الوطني للعراق الذي أُقِرَّ للاحتفاء به، فهل حقاً كان هُناك من يحتفي به؟ وهل زُيّنت الشوارع وغُسِلت الساحات وازدانت الأرصفة ورُفِعت اللافتات؟ستجدون الجواب عند الذين ينتظرون سيارات القُمامة والنفايات لالتقاط ما يُمكن أن يُشبع جوعهم أو المُتسولين الذين ازدادت أعدادهم في الشوارع ببلد ميزانيته الشهرية تُعادل ضِعف موازنات دولة من دول الجوار السنوية، ستجدون الاحتفال في وجوه اليتامى والأرامل الذين أغلقت السُلطة في وجوههم كُل أبواب المُساعدة وتنمُرها عليهم.سيكون الجواب موجوداً عند أكثر من ذلك عندما تجدون شعباً يحتفل بيومه الوطني وهو الذي رَحلت عن حياته كُل تلك الأفراح والمسّرات في مُكابدة لِزمنه الصعب على أمل أن يأتي ذلك الفرج.إنه العيد الذي أُقرّ للعراقيين على حِين غفلة حين تمخّض الفيل فولد عِيداً، ولكن بأي حالٍ تعود يا عيدُ؟

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *