هل ستُدار غزة عالميا؟

هل ستُدار غزة عالميا؟
آخر تحديث:

بقلم:فاروق يوسف

مؤتمرات في كل مكان من أجل غزة. كلها تبحث عن وسيلة لإقناع إسرائيل بالقبول بهدنة إنسانية مع مراعاة عدم الضغط عليها لئلا تنزعج أكثر فتزداد شراسة وعنفا. أما أوضاع أهل غزة فهي أسوأ من أن توصف. تلك الأوضاع تحرك هامشا من دوافع الدول المشاركة في تلك المؤتمرات لإنهاء الحرب ولو مؤقتا. ما يفكر فيه الجميع أن لا تكون غزة سببا في حريق تستعر نيرانه في المنطقة ولا يمكن إطفاؤها. هناك دول وضعت جيوشها على أهبة الاستعداد لا لتعين الجيش الإسرائيلي في مأزقه وهو يواجه كتلة بشرية مضغوطة في مساحة صغيرة فحسب، بل وأيضا لحصر الحرب في أصغر مساحة ممكنة وذلك من خلال التخلص من حركة حماس التي يعتبرها الجميع مسؤولة عما جرى.

ما يُنقل من الأوضاع الكارثية التي يعيشها شعب تحت القصف الكثيف هو أقل بكثير مما يقع. فحين أجلت إسرائيل زحفها البري حفاظا على أرواح جنودها فإنها لجأت إلى سياسة الأرض المحروقة التي تمهد من خلالها إلى تنظيف الأرض من المدنيين الذين صاروا دروعا بشرية مضطرين لأن غزة ضاقت بهم ولا مكان آخر يهربون إليه. وهم إذ لجأوا إلى ذلك الحل فليس بطولة منهم ولا تعبيرا عن رغبتهم في حماية مقاتلي حماس، بل لأنهم لا يملكون بديلا آمنا يكفيهم شر تلك التهلكة التي توهموا أن العالم سيسرع إلى إنقاذهم منها مثلما يفعل في كل مرة يصل الصراع فيها بين إسرائيل وحركة حماس إلى مرحلة الصدام. غير أن العالم وقد غير موقفه أدار لهم ظهره مثلما أدارت إيران ظهرها لحركة حماس وبدت غير مكترثة لما يمكن أن تنتهي إليه.

كل المحاولات التي تُبذل على المستويين العربي والعالمي تسعى إلى الوصول إلى حل نهائي، لن تكون حماس جزءا منه

في كل المرات السابقة التي نشبت فيها الحرب على أرض غزة كانت حماس تخرج منتصرة بالرغم من أن المشهد على الأرض كان مأساويا ناهيك عن أعداد القتلى التي لا يتم إحصاؤها تبعا لنظرية أن “أحدا لا يموت ناقص عمر”. أما انتصار حماس فإنه يستحضر معنى الانتصار على الطريقة العربية التي يمكننا التعرف عليها في انتصار العراق في حرب تحرير الكويت عام 1991 التي سُميت “أم المعارك” وحرب حزب الله عام 2006 وخرج لبنان منها مدمرا. انتصر صدام حسين على العراقيين الذين دُمرت بلادهم وانتصر حزب الله على اللبنانيين الذين شردوا من بيوتهم. أما حماس فإنها كلما تنتصر يتحول أهل غزة إلى مسألة إنسانية تجتمع من أجلها الدول المانحة وتكون عبئا على المنظمات الدولية التي تسعى إلى إنقاذ ما تبقى. إذا كان قادة حماس قد توهموا بأن هذه الحرب ستكون شبيهة بالحروب السابقة فإن استخفافهم بالفلسطينيين الذين لا يموتون ناقصي عمر قد وصل إلى ذروته. وهو ما يقف أمامه العالم حائرا ومذهولا.

كل الحاضرين في المؤتمرات الدولية والعربية التي تُعقد الآن لا أحد منهم يفكر في إنقاذ حماس. حتى الأصوات المنادية بإيقاف الحرب فإنها تفعل ذلك من غير انحياز للتنظيم الديني. هناك شعب يُقتل بعد أن يتم تجويعه وتشريده من غير أن يكون طرفا في الحرب. ذلك الشعب هو ضحية السياسة الإسرائيلية القائمة على التوسع والاستيطان وعدم تطبيق القوانين الدولية. فلو كانت إسرائيل قد نفذت القوانين الدولية التي دعت إلى قيام الدولة الفلسطينية لما كانت هناك غزة التي لا يمكن تصنيفها ولما كانت هناك حركة حماس التي اختطفت غزة وأهلها منذ عام 2007. إسرائيل مسؤولة عن خلط الأوراق يوم استضعفت السلطة الفلسطينية ولم تتعامل معها باعتبارها طرفا حقيقيا في المعادلة. استخفت إسرائيل بحقوق الشعب الفلسطيني فكان عليها أن تواجه عدوا مختلفا، أدخل الدين عنصرا في الصراع.

من المؤكد أن العالم يفكر في إنقاذ إسرائيل مما يمكن تسميته مجازا بـ“مستنقع غزة” وهو مستنقع دم ولو حدث ما يفكر فيه نتنياهو فإن ذلك سيكون بمثابة عار جديد سيُلحق بالضمير العالمي وهو ما يعني أن العالم يفكر في إنقاذ أهل غزة من الوحشية الإسرائيلية، لكنه سيكون منتبها لخطواته هذه المرة كما يبدو. كل المحاولات التي تُبذل على المستويين العربي والعالمي تسعى إلى الوصول إلى حل نهائي، لن تكون حماس جزءا منه. ولكن غزة وهي كتلة بشرية هائلة يجب ألا تُهمل أو تبقى في رعاية إسرائيلية وبالأخص أن السلطة الفلسطينية أبدت عدم استعدادها لإدارة وتصريف شؤون المواطنين في القطاع. فهل سيُدار القطاع عالميا؟

التعليقات

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *